نابغة عمان: الأستاذ جواد بن جعفر بن ابراهيم الخابوري اللواتي (الجزء الثاني).
من كتاب: الأدوار العمانية في القارة الهندية دور بني سامة بن لؤي – اللواتية للأستاذ جواد الخابوري اللواتي.
تقديم المؤلف بقلم: محسن بن جمعة بن محمد اللواتي.
من كتاب: الأدوار العمانية في القارة الهندية دور بني سامة بن لؤي – اللواتية للأستاذ جواد الخابوري اللواتي.
تقديم المؤلف بقلم: محسن بن جمعة بن محمد اللواتي.
العودة
عاد جواد بن جعفر الخابوري في سنة 1935م الى أرض الوطن ليواجه مقاطعة محكمة وغضبا عارما من المجتمع لآرائه وماسبقته من اخباره عن عدم اتفاقه مع بعض رجالات الدين التقليديين وطرق تدريسهم واستسلامهم القدري لكل ما هو قديم ومعارضتهم للجديد، فكان لتلك المقاطعة والغضب أثر عليه، اذ رفض حتى الحلاقون حلاقة رأسه فطال شعره وعشش القمل فيه، ولكن هذا المنظر من أستاذ المدرسة والذي ما انفك عن التدريس السري ليلا بالزبادية، وهي ضاحية من ضواحي مطرح، أهوت تلاميذه باطالة شعرهم والتشبه بأستاذهم، مما جلب عليه محاكمة مجلس مشيخة اللواتية.
الانعطاف
ضاق بجواد الخابوري الخناق من كل نواحي الحياة وكان شعره الكثيف المملوء قملا مصدر ازعاج له، فنزل الى السوق يجرب حظه ثانية ولربما للمرة العاشرة عسى أن يلقى حلاقا جديدا وافدا على البلاد لايعرف عن مقاطعة المجتمع له، فيعطف عليه ويحلق شعره، ولكنه مع هذا لم يجد ذلك فحاول استعطاف أحد الحلاقين المتواجدين عسى أن يحلق له الشعر.
وفي هذه الأثناء كان هناك (آغاخانيا) يراقب الموقف، فتقدم من الحلاق وأغراه بمضاعفة أجرة الحلاقة ان هو لبى طلب جواد. وبعد تردد قبل الحلاق ذلك وتمت حلاقة رأس جواد الخابوري.
تقدم جواد الى (الآغاخاني) مستفسرا عن دوافع عطفه، وفهم منه أن اسمه محمد مال الله وهو كبير جماعة الآغاخانية وزعيمهم الروحي وانه يراقب مايحدث له من مقاطعة ومضايقات ودعاه الى الدخول في ملتهم كي يتخلص من البؤس الذي وضع فيه، فضحك جواد وقال انت تعرف أنني ممن غمسوا في اللاأدرية وملة آغاخان ليس فيها مايشبع نهمي الفكري فكيف تتوقع مني أن أكون أغاخانيا؟ فرد عليه اننا نعرف أن الآغاخانية لن تستهويك ولكننا نريدك أن تعلم أولادنا وتؤسس مدرستنا على أساس منظم، فقبل جواد ذلك تخلصا من الضيم.
قابلت جماعة الآغاخانية بارتياح وتكريم انضمام جواد الخابوري اليهم وترجموا ذلك الانضمام ومايتفق وأهواءهم ولكن الرجل ظل مخلصا لفكره غائرا في عمق القضايا الفلسفية المعقدة.
وأخيرا أخذوه الى الهند ليلتقي بآغاخان ولكن كل ذلك لم يفتر الأمل للرجوع الى البلاد عسى أن تكون الأمور قد تغيرت والمقاومة قد انخفض تأججها، فعاد الى عمان، ولكن لم ير الا امتهانا وصدا.
دعي ليعلم في المدرسة السعيدية فعلم فيها ولكن تضييق الخناق والوسط الثقافي المحدود في المجتمع، دفعاه الى السفر ثانية.
الغربة
سافر الغريب ثانية الى الهند واستقر فيها وكانت جماعة الأغاخانية قد هيأت له سبل العيش الكريم فبدأ يعمل معهم في الحقل الثقافي حيث وضعوا تحت تصرفه كل الوسائل بما فيها المترجم من العربية الى الانجليزية لأن لغته الانجليزية في بدء مرحلة الغربة لم تكن قد ارتفعت الى مستوى التأليف.
ظل جواد في بومبي يعمل مع جماعة الأغاخانية من غير أن يبيع لهم نفسه الى درجة أنه عندما أحس بأنهم يحاولون الاستفادة من عمله معهم لأغراضهم الدعائية المذهبية، نشر بيانا في جريدة كجرات المسائية يعلن فيها بالحرف الواحد بأنه لاينتمي الى هذه الجماعة كمذهب.
تابع جواد الخابوري حياته في بومبي، المدينة الحضارية، واحتك بثقافات عديدة ونضج فكرا بحصوله على طريق اليقين من خلال طريق الشك ولكن كان أهم منعطف فكري في حياته اكتشافه انه مهما عظمت طاقة العقل فانها مرتبطة بخط بياني ادناه سلم المحسوسات وأعلاه التجريد ثم تتوقف، أما فوق ذلك فيقف العقل مستسلما لايعي جوابا فكان ذلك بداية تحوله الى التصوف كسلوك.
استمر الغريب الباحث في حياته، وكانت الأقدار قد هيأت له كل روافد العلم والمعرفة عن طريق المكتبة الضخمة لجماعة الآغاخانية وقويت لغته الانجليزية الى درجة التأليف والكتابة، شارك في العديد من الصحف والجمعيات العلمية، احتك بالكثير من رجالات الفكر الاسلاميين والهندوس والمسيحيين وغيرهم، استهوته الطريقة الهندوسية للتصوف، فمارس طرقها وهنا أرجو أن أقف لأوضح كي لاتختلط الأمور على القاريء فأقول بأن التعبد الوثني الهندوسي شيء لا يقبله عقل جواد ولكن جواد نظر الى طرق التصوف باعتبارها طرقا موصلة للحقيقة الحسية بالتكامل الكوني، ولكن تلك الطريقة لم تكن هي الوحيدة التي تأملها جواد بل انضم الى العديد من المنتديات الفكرية في القارة الهندية والأوروبية ولكنه في النهاية رجع الى التصوف الاسلامي بكل ماتحوي هذه الكلمة من معنى، وليس فقط في تأملاته الصوفية بل في تطبيقه العبادي الذي سنته الشريعة الاسلامية، أما أكثر المتصوفين الاسلاميين الذين يتفاعل مع آرائهم فهو الشيخ محيي الدين بن العربي عليه الرحمة.
قضى جواد الخابوري في بومبي قسما من عمره حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وعندما ظهرت الدولة الجديدة الى الوجود عن طريق تقسيم القارة الهندية الى الهند وباكستان، سافر الى باكستان وأخذها مقرا له فكان نشاطه العلمي يشتمل ضمن مايشتمل:
1 – تدريس اللغة العربية بالكلية الاسلامية التابعة لجامعة كراتشي من سنة 1954-1971م.
2 – رئاسة مؤسسة البحوث الفلسفية والتاريخية التابعة لجماعة الآغاخانية (المشهورة بالجمعية الاسماعيلية الباكستانية بكراتشي) لغاية عام 1968م.
مع السلطان سعيد بن تيمور
في سنة 1935م عند رجوع جواد الخابوري الى البلاد من العراق عن طريق البحر بسفينة باندرا، عرجت السفينة الى ميناء صحار حيث ركب منها السلطان المرحوم سعيد بن تيمور. فكر جواد كي يعظ السلطان وينصحه فأرسل اليه الأبيات التالية في رقعة سلمها لخادمه:
على رغم الرقي وعصر نور *** ودور الكهرباء ودور فكر
أناخ ببلدتي جهل مميت *** ففيها نحن في أدوار صخر
يعاقب حيها البيئات فيها *** فتسميها عواملها بقسر
أترضى أن تكون مليك شعب *** بدرو الطفل يحيا طول عمر
فما أن سلم الخادم تلك الرقعة للسلطان حتى خرج السيد هلال بن بدر الشاعر العماني المعروف على عجل متجها نحو جواد الخابوري محاورا اياه: ألا تخاف يا خابوري من أن ترسل مثل تلك الأبيات للسلطان فيغضب عليك ويأمر خدامه أن يرموك في البحر حيث تأكلك الأسماك؟ فرد جواد عليه: اذا هو غضب علي ورماني خدامه الى البحر وأكلتني الأسماك فان ذلك سوف يجلب عليه سوء السمعة وهو لايرضاها. ويتذكر الأستاذ جواد أنه التقى بالسيد سعيد عن البعد بعد سويعات من هذه الحادثة فنظر اليه السلطان سعيد نظرة من عرف معنى أبياته ممزوجة بالعطف على جواد وكانت نظرات العطف بينهم متبادلة كأنها تذكرهم بأيام الطفولة وأخوة الرضاعة فهل انتبه السلطان سعيد لذلك؟
لما كان اعتلاء السلطان الراحل على العرش يحمل بارقة أمل لعمان لانتشالها من ازمنة التخلف وعبودية الجهل وعجلة التقهقر لاتصال السلطان سعيد بحضارات الأمم الأخرى وثقافتها ولالمامه بالعربية الماما واسعا، خاصة فيما يتعلق بتطورات الأمم وتخلفها من خلال الاطلاع على الوقائع التاريخية المعلمة لأي دارس لبيب عن مسار الأحداث فان الأستاذ جواد كان من أولئك المتفائلين بمقدم الحاكم الجديد وبهذه المناسبة فقد ألف القصيدة المهنئة وهذه بعض أبياتها:
صباح اليمن بالعيدين وافا *** وفجر المجد بالآفاق لاحا
وطير السعد هلل في غصون *** وصدر الدهر منشوح انشراحا
بتتويج السعيد غدت عمان *** تناطح جبهة الجوزا نطاحا
ولكنه لما رأى ما حل ببلاده من جهل مميت غير رأيه فيه والأبيات الأولى التي أرسلها له بالمركب (باندرا) هي شاهدة على موقفه لأنها لاحقة لهذه الأبيات من حيث الزمان.
مع آغاخان
كان آغاخان الثالث معجبا بجواد الخابوري ولكنه كان حذرا ملاطفا له وعلى معرفة بالقيمة العلمية ومكانتها في شخص جواد، وفي احدى لقاءاته عرض عليه بأن يضطلع بمسؤولية مساعد رئيس المعهد الاسلامي (الآغاخاني) والذي كان يرأسه آنذاك البروفيسور أوفانو الروسي وذلك في مدينة بومبي وقد اضطلع جواد بتلك المسؤولية فعلا، ومن نصائح آغاخان لجماعته هو هذا القول:
"ان جواد الخابوري حر التفكير ولايلتزم بمذهبكم ولكنكم يجب أن تستفيدوا منه ومن مقدرته العلمية في تنظيم شؤونكم لأنه خال من التعصب ويفيدكم في الكثير من الأمور"، ونفس هذا الكلام كرره كريم خان الآغاخان الحالي لجماعته عن جواد.
انتهى!
"ان جواد الخابوري حر التفكير ولايلتزم بمذهبكم ولكنكم يجب أن تستفيدوا منه ومن مقدرته العلمية في تنظيم شؤونكم لأنه خال من التعصب ويفيدكم في الكثير من الأمور"، ونفس هذا الكلام كرره كريم خان الآغاخان الحالي لجماعته عن جواد.
انتهى!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق