هل المعجزة دليل على صدق النبوة؟
بقلم: علي داود
هل المعجزة دليل على صدق النبوة؟
سؤال غريب، أليس كذلك؟ هل يقول احد أن المعجزة ليست دليلا على صدق النبوة والسفارة الالهية؟.
سنكتفي باشارة تاريخيّة أحاديّة الجانب لهذه المسألة هنا، والاّ فانّ مسألة اعتباريّة الحسن والقبح التي سيأتي ذكرها بعد قليل فيها كلام أكثر.
ماهو الفرق بين الفلسفة وعلم الكلام؟
لا بدّ لنا قبل الشروع في هذا البحث البسيط من تقديم مقدّمة بسيطة عن الفرق بين الفلسفة والكلام، فنقول: الفلسفة بحث عقلي حر. ينطلق من أي منطلق يشاء. ولا يرى نفسه في مقام الدفاع عن أية عقيدة أو مذهب، اذ هو ينتهي حيث تنتهي نتائجه.
أما علم الكلام فهو علم أصول الدين. ينطلق من النصوص المقدسة. ويرى نفسه في مقام الدفاع عن حياض الدين ورد الشبهات المثارة حوله.
هذا هو الفرق الذي يهمنا في هذا الموضوع بداية.
ماذا يقول علماء الكلام؟
يقولون ما مفاده: المعجزة دليل على صدق النبوة، لأن اعطاء المعجزة لغير النبي قبيح، والقبيح لا يصدر من الحكيم العليم – أي الله تعالى.
ماهو اعتراض الفلاسفة على استدلال علماء الكلام؟
يقول الفلاسفة ما مفاده: أن قاعدة القبح التي اعتمدها علماء الكلام قاعدة بشرية اعتبارية. أي أن القبح والحسن لا واقع لهما خارج اعتبار الانسان لهما. وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في الاستدلالات والبراهين.
ولايصال الفكرة نضرب هذا المثال: تصوّر أن (أ) باع ثوبه لـ (ب). وقل لي: هل تغير في الثوب شيء بعد بيعه؟. الجواب: طبعا لا، لم يتغير في الثوب شيء. كل ما حصل هو أنه انتقل من ملكية (أ) الى ملكية (ب). وبتعبير آخر: الذي حصل هو أننا نحن البشر اعتبرنا أن الثوب صار ملكا لـ (ب) بعد ان كان ملكا لـ (أ)، والا فانه لم يحصل أي تغيير حقيقي في الثوب نفسه. ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن قانون الملكية قانون اعتباري بشري - يعتبره البشر لتنظيم علاقاتهم وحياتهم - وليس قانونا حقيقيا واقعيّا.
يقول الفلاسفة أنه كما نحن اعتبرنا قانون الملكية كذلك اعتبرنا أنّ اعطاء المعجزة لغير النّبي قبيح، والاّ فهو ليس بقبيح خارج اعتبارنا.
اذا، كيف يثبت الفيلسوف نبوّة النّبي؟
يعتمد الفيلسوف على ما نسمّيه (الدليل الاستقرائي) ليثبت نبوّة أيّ نبي، وقد استخدم الشهيد محمّد باقر الصّدر هذا الدّليل لاثبات نبوّة النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم في كتابه عن أصول الدّين، وقد اقتبسه منه – حسب الظّاهر – السيّد كمال الحيدري في كتابه (المذهب الذّاتي في نظرية المعرفة). ولكن ماهو هذا الدليل الاستقرائي؟ وكيف يثبت نبوّة النّبي؟.
الدّليل الاستقرائي بسيط جدّا، وغالبيّتا او كلّنا حتّى نستخدمه في حياتنا اليوميّة، ومثاله كالتّالي:
"تصوّر أنّك استلمت رسالة أرسلها لك فتى ريفي (قروي) يدرس في المرحلة الابتدائيّة في مدرسة بسيطة الامكانيّات العلميّة والأدبيّة، وهذه الرسالة التي استلمتها منه مكتوبة على مستوى رفيع في البلاغة والفصاحة ومختلف الأساليب الأدبيّة. هنا أنت تقول: من خلال خبرتي لم أجد فتى في مثل ظروف هذا الفتى القروي الذي أرسل لي هذه الرسالة يستطيع أن يكتب مثل هذه الرسالة، اذن هناك احتمال قويّ جدّا بأنّ هذه الرسالة من املاء شخص آخر على مستوى رفيع في اللغة والأدب. وكلّما تعرّفت على الفتى وظروفه أكثر، وكلّما تعرّفت على مضمون الرّسالة وأساليبها الرائعة أكثر، يحصل عندك نوع من اليقين والاطمئنان بأنّ هذه الرّسالة ليست من الفتى القروي نفسه، بل لابدّ من فرض تدخّل جهة أخرى".
طريقتك هذه: طريقة استقراء..
الفيلسوف ينظر الى مضمون رسالة النّبي، ومن ثمّ اذا وجدها عظيمة المضمون رفيعة المستوى، يقارنها بظروف وتاريخ الشخص الذي صدرت منه، فاذا وجد أنّ تاريخه وظروفه في الحالات المماثلة لا تنتج ما صدر منه، يحتمل احتمالا كبيرا جدّا بصحّة ادّعائه، وكلّما تعرّف أكثر على مضمون رسالته ومحتواها، وكلّما تعرّف أكثر على تاريخ وظروف من أتى بها، كلّما زاد التّناقض عنده بين الاثنين، وبالتّالي اطمئنّ أكثر.
ولكن، الأنبياء جاءوا بمعجزات، فكيف يفسّر الفيلسوف هذا الجانب؟
يعتمد الفيلسوف هنا على قاعدة: حدّثوا النّاس على قدر عقولهم. يقول الفيلسوف أنّ معظم النّاس تعتمد على الأمور الحسّية، وتعتقد بها أكثر من الأمور العقليّة، ولذلك فانّ الأنبياء جاءوا بالمعجزات كأمور حسّية لتجذب هؤلاء النّاس اليهم. والاّ فانّ المعجزة ليست دليلا على صحّة دعوى النّبوّة.
بقلم: علي داود
هل المعجزة دليل على صدق النبوة؟
سؤال غريب، أليس كذلك؟ هل يقول احد أن المعجزة ليست دليلا على صدق النبوة والسفارة الالهية؟.
سنكتفي باشارة تاريخيّة أحاديّة الجانب لهذه المسألة هنا، والاّ فانّ مسألة اعتباريّة الحسن والقبح التي سيأتي ذكرها بعد قليل فيها كلام أكثر.
ماهو الفرق بين الفلسفة وعلم الكلام؟
لا بدّ لنا قبل الشروع في هذا البحث البسيط من تقديم مقدّمة بسيطة عن الفرق بين الفلسفة والكلام، فنقول: الفلسفة بحث عقلي حر. ينطلق من أي منطلق يشاء. ولا يرى نفسه في مقام الدفاع عن أية عقيدة أو مذهب، اذ هو ينتهي حيث تنتهي نتائجه.
أما علم الكلام فهو علم أصول الدين. ينطلق من النصوص المقدسة. ويرى نفسه في مقام الدفاع عن حياض الدين ورد الشبهات المثارة حوله.
هذا هو الفرق الذي يهمنا في هذا الموضوع بداية.
ماذا يقول علماء الكلام؟
يقولون ما مفاده: المعجزة دليل على صدق النبوة، لأن اعطاء المعجزة لغير النبي قبيح، والقبيح لا يصدر من الحكيم العليم – أي الله تعالى.
ماهو اعتراض الفلاسفة على استدلال علماء الكلام؟
يقول الفلاسفة ما مفاده: أن قاعدة القبح التي اعتمدها علماء الكلام قاعدة بشرية اعتبارية. أي أن القبح والحسن لا واقع لهما خارج اعتبار الانسان لهما. وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في الاستدلالات والبراهين.
ولايصال الفكرة نضرب هذا المثال: تصوّر أن (أ) باع ثوبه لـ (ب). وقل لي: هل تغير في الثوب شيء بعد بيعه؟. الجواب: طبعا لا، لم يتغير في الثوب شيء. كل ما حصل هو أنه انتقل من ملكية (أ) الى ملكية (ب). وبتعبير آخر: الذي حصل هو أننا نحن البشر اعتبرنا أن الثوب صار ملكا لـ (ب) بعد ان كان ملكا لـ (أ)، والا فانه لم يحصل أي تغيير حقيقي في الثوب نفسه. ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن قانون الملكية قانون اعتباري بشري - يعتبره البشر لتنظيم علاقاتهم وحياتهم - وليس قانونا حقيقيا واقعيّا.
يقول الفلاسفة أنه كما نحن اعتبرنا قانون الملكية كذلك اعتبرنا أنّ اعطاء المعجزة لغير النّبي قبيح، والاّ فهو ليس بقبيح خارج اعتبارنا.
اذا، كيف يثبت الفيلسوف نبوّة النّبي؟
يعتمد الفيلسوف على ما نسمّيه (الدليل الاستقرائي) ليثبت نبوّة أيّ نبي، وقد استخدم الشهيد محمّد باقر الصّدر هذا الدّليل لاثبات نبوّة النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم في كتابه عن أصول الدّين، وقد اقتبسه منه – حسب الظّاهر – السيّد كمال الحيدري في كتابه (المذهب الذّاتي في نظرية المعرفة). ولكن ماهو هذا الدليل الاستقرائي؟ وكيف يثبت نبوّة النّبي؟.
الدّليل الاستقرائي بسيط جدّا، وغالبيّتا او كلّنا حتّى نستخدمه في حياتنا اليوميّة، ومثاله كالتّالي:
"تصوّر أنّك استلمت رسالة أرسلها لك فتى ريفي (قروي) يدرس في المرحلة الابتدائيّة في مدرسة بسيطة الامكانيّات العلميّة والأدبيّة، وهذه الرسالة التي استلمتها منه مكتوبة على مستوى رفيع في البلاغة والفصاحة ومختلف الأساليب الأدبيّة. هنا أنت تقول: من خلال خبرتي لم أجد فتى في مثل ظروف هذا الفتى القروي الذي أرسل لي هذه الرسالة يستطيع أن يكتب مثل هذه الرسالة، اذن هناك احتمال قويّ جدّا بأنّ هذه الرسالة من املاء شخص آخر على مستوى رفيع في اللغة والأدب. وكلّما تعرّفت على الفتى وظروفه أكثر، وكلّما تعرّفت على مضمون الرّسالة وأساليبها الرائعة أكثر، يحصل عندك نوع من اليقين والاطمئنان بأنّ هذه الرّسالة ليست من الفتى القروي نفسه، بل لابدّ من فرض تدخّل جهة أخرى".
طريقتك هذه: طريقة استقراء..
الفيلسوف ينظر الى مضمون رسالة النّبي، ومن ثمّ اذا وجدها عظيمة المضمون رفيعة المستوى، يقارنها بظروف وتاريخ الشخص الذي صدرت منه، فاذا وجد أنّ تاريخه وظروفه في الحالات المماثلة لا تنتج ما صدر منه، يحتمل احتمالا كبيرا جدّا بصحّة ادّعائه، وكلّما تعرّف أكثر على مضمون رسالته ومحتواها، وكلّما تعرّف أكثر على تاريخ وظروف من أتى بها، كلّما زاد التّناقض عنده بين الاثنين، وبالتّالي اطمئنّ أكثر.
ولكن، الأنبياء جاءوا بمعجزات، فكيف يفسّر الفيلسوف هذا الجانب؟
يعتمد الفيلسوف هنا على قاعدة: حدّثوا النّاس على قدر عقولهم. يقول الفيلسوف أنّ معظم النّاس تعتمد على الأمور الحسّية، وتعتقد بها أكثر من الأمور العقليّة، ولذلك فانّ الأنبياء جاءوا بالمعجزات كأمور حسّية لتجذب هؤلاء النّاس اليهم. والاّ فانّ المعجزة ليست دليلا على صحّة دعوى النّبوّة.
شكرا للقراءة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق