السبت، ١٨ ديسمبر ٢٠١٠

مقدّمة تعريفيّة في العرفان الاسلاميّ - الجزء الثاني


مقدّمة تعريفيّة في العرفان الاسلاميّ - الجزء الثاني
اعداد: علي داود اللواتي

ماهو الفرق بين العرفان العملي وعلم الأخلاق؟


هناك صله وثيقة بين العرفان العملي وعلم الأخلاق، هذه الصلة تتجلى في أن كليهما يسعى أن يصل بالإنسان إلى الكمال وتخليصه من قيود وأغلال المادة والصفات الذميمة، وتزويده بالمعنويات والصفات الجميلة، ولكن هناك فارق بين العلمين نوجزه فيما يلي:

1- العرفــان العملي يهتم بعــلاقة الإنسان مـع نفسه ومجتمعه الذي يعيش فيه ومع (الله) خالقه ومبدأ وجوده، مع التركيز وإعطاء الأهمية الكبرى لعلاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى. أما علم الأخلاق فيركز كل اهتمامه على الإنسان وصفاته الحميدة والذميمة.

2-العرفان العملي هو سيرٌ وسلوك أي حركه مستمرة وعمل دءوب وهذا ما توحيه العبارة (سير وسلوك) أي لا توقف ولا جمود، على عكس علم الأخلاق الذي يظهر فيه السكون والجمود. فالعرفان العملي يعيش الانطلاق فهو يتحدث عن البدء (أي البداية) والمنازل وطي المراحل والمقامات أما الأخلاق فيتحدث عن طريق تزود الإنسان بالأخلاق الحميدة من كرم وصدق وإثار و... و... بدون عملية تراتبية أو أولوية، فكأن روح الإنسان عند علم الأخلاق كالبيت الذي يريد صاحبه أن يزينه، فليس من المهم أن يبتدئ من السقف أو من الجدران أو من غيرهما، على عكس علم العرفان فهناك التراتبية والأولوية وصراط يسير عليه العارف يطوى من خلاله مرحلة بعد مرحلة ومنزلة بعد منزلة ومقام يتلوه مقام، لا عشوائية وانتقائية وتقديم مرحلة سابقة على لاحقة، بل في نظام تدريجي تصاعدي نحو الكمال، وهذه نقطة في غاية الأهمية في السير والسلوك العرفاني.

3 -علم الأخلاق يُعنى بصفات معينة ومحدودة العناصر وفي الغالب الأعم منتهية، أي بإمكان الإنسان عن طريق علم الأخلاق أن يتخلى عن كل الصفات الذميمة ويتحلى بكل الصفات الجميلة وينتهي الأمر إلى هذا الحد، أما العرفان العملي فإنه شامل وواسع وعميق ولا نهائية فيه لأن جل اهتماماته بالكمال المطلق، والكمال المطلق لا نهائي.

4 - للعرفان العملي في خط السير والسلوك مراحل ومنازل وهناك لهذه المراحل والمنازل واردات (خواطر قلبية) ومشاهدات باطنية معنوية خاصة بالسالك فقط. أما الصفات الأخلاقية فهي عامة لكل الناس. (1)

ماهو الفرق بين الفلسفة الالهية والعرفان النظري؟

يشترك العرفان مع الحكمة الالهية في وجه ويختلف عنها في وجوه: فوجه اشتراكهما: انهما يهدفان الى (معرفة الله).

وأما وجوه اختلافهما فهي:

أولا: الحكمة الالهية لاتقصر النظر على خصوص معرفة الله، وانما تهدف الى معرفة نظام الوجود كما هو، فمعرفتها تستوعب نظاما واسعا تشكل معرفة الله ركنه المهم، وأما العرفان فيقتصر النظر على خصوص معرفة الله، اذ يرى العرفان ان معرفة الله تعني معرفة جميع الأشياء، ولابد من التعرف على كل شيء في ضوء التعرف على الله من الزاوية التوحيدية، فتكون معرفة جميع الأشياء متفرعة على معرفة الله.

ثانيا: ان المعرفة التي ينشرها الحكيم هي المعرفة الذهنية والفكرية، نظير معرفة عالم الرياضيات عندما يفكر في حل مسألة رياضية، بينما المعرفة التي يتوخّاها العارف هي معرفة حضوريّة وشهوديّة نظير معرفة البايلوجي عند عمله في المختبر، فالحكيم يريد الوصول الى (علم اليقين)، بينما العارف يريد الوصول الى (عين اليقين).

ثالثا: ان الأداة التي يستخدمها الحكيم هي العقل والاستدلال والبرهان، أما أداة العارف فهي القلب وتهذيب النفس وتصفيتها، فالحكيم يحاول دراسة العالم بمنظار ذهنه، بينما العارف التحرك بجميع وجوده للوصول الى كنه الوجود وحقيقته، وأن يتحد مع الحقيقة اتحاد قطرة الماء مع البحر الخضم، فالكمال الفطري الذي يتوخاه الانسان في نظر الحكيم يكمن في الفهم والاستيعاب، بينما الكمال الفطري الذي ينشده الانسان في نظر العارف يكمن في الوصول، ويرى الحكيم ان الانسان الناقص هو الانسان الجاهل، بينما الانسان الناقص عند العارف هو الانسان المهجور والمنفي والمنفصل عن أصله. (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شبكة فجر الثقافية / الشيخ علي البستاني / علم العرفان ومواجهة التحديات.
(2) مدخل الى العلوم الاسلامية / الشهيد مرتضى المطهري / العرفان ص 99-100

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق