الاثنين، ١٣ ديسمبر ٢٠١٠

خربشات في: الغزو الثقافي الأجنبي وقضايا آخرى


خربشات في: الغزو الثقافي الأجنبي وقضايا آخرى
بقلم: علي داود اللواتي


ماذا نعني بالثقافة الأجنبية عن الثقافة الاسلامية؟

الأمور التي دخلت وتدخل مجتمعاتنا الاسلامية على نوعين: (أفكار أو رؤى كونية) و(تشريعات وقوانين ومباديء). مما يعني ان الثقافة الأجنبية عن الثقافة الاسلامية هي الرؤى الكونية والتشريعات والقوانين والمباديء المخالفة للرؤية الكونية الاسلامية والتشريعات والقوانين والمبادئ المترتبة عليها. ولكن ما معنى الرؤية الكونية؟ عندما يقال أن مذهبا رؤيته الكونية كذا وكذا يعني: تفسيره للوجود والكون والانسان والحياة كذا وكذا. مثلا رؤية الاسلام الكونية هي: هناك اله حكيم عليم قادر متصف بأعلى مراتب الكمال والجمال، وأن الكون له غاية وهدف ولا مكان للصدفة والحظ والعشوائية فيه، والانسان مخلوق لهذا الاله وخليفته على هذه الأرض،... ، الخ.



ماهي وجهة نظري؟

في اعتقادي هناك ايجابيات مهمة لهذا النوع من الغزو، أما السلبيات فموجودة ولها أسباب الظاهر انها واحدة.


ماهي ايجابيات هذا الغزو؟

أولا: تمكن الأفراد من بناء رؤى كونية أكثر وضوحا وأكثر شمولية
لنأخذ مثلا أبسط البراهين التي تذكر في (علم الالهيات) لاثبات وجود الصانع، وهو برهان النظم الذي يقول: العالم منظم، وكل منظم له ناظم، اذن العالم له ناظم... يأتي الفيلسوف الانجليزي برتراند راسل في القرن العشرين تقريبا ليقول: (لماذا لا يمكن أن يكون هذا النظم ذاتي للمادة؟). يعني: مثلا المثلث عبارة عن ثلاثة أضلاع ولا يمكن ان يكون هناك مثلث عدد أضلاعه ليست ثلاثة، فوجود ثلاثة أضلاع شيء ذاتي للمثلث، اذا وجدت ثلاثة أضلاع وجد المثلث واذا لم توجد لم يوجد المثلث. هكذا لماذا لا يمكن ان يكون هذا النظم والتنسيق والترتيب الموجود في العالم ذاتي للعالم، بحيث يكون وجود العالم يعني وجود التنسيق والترتيب والنظم معه؟ وقد حاول أحد المخالفين أن يعبر عن ذلك بقوله: (كل ظاهرة في الكون يمكن تفسيرها باحدى القوى الأربع التالية: القوة التجاذبية (أو قوة الجاذبية) والقوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الشديدة والقوة النووية الضعيفة. لماذا لايمكن ان تكون هذه القوانين طبيعية أي نابعة من طبيعة المادة وليست أشياء خارجة عنها تضاف اليها، لنحتاج أن نقول أن هناك من أضافها؟). فهذه الشبهة الجيدة أضافت نقطة جديدة الى بحث برهان النظم، ووسعت حدوده بعد ان تناولها العلماء والمفكرين بالأخذ والرد، وساعدت الأفراد في بناء تصور أوضح وأكمل لبرهان النظم، وقبلها لعله الكثيرين ممن قرأوا ودرسوا هذا البرهان لم يفكروا فيها. كذلك مثلا دخول الفلسفة والعلوم اليونانية الى بلاد المسلمين وترجمة كتبها ومسائلها في عصر العباسيين زاد من البحوث العقلية الاسلامية ومسائل (علم أصول الدين)، ويمكن اعتبار تلك الفترة فترة الازدهار العلمي والفكري في تاريخ الامبراطورية العربية. وقديما قال العرفاء: لا يعرف الشيء الا بنقيضه.

ثانيا: فهم السلوك العملي الاسلامي أي فهم المباديء والتشريعات والقوانين الاسلامية
أدى دخول الرؤى الكونية المختلفة والمسالك العملية المختلفة وتأثر المجتمعات الاسلامية بها الى أن العلماء والمفكرين قاموا بتناول التشريعات والقوانين الاسلامية بطريقة استدلالية بعيدة عن مجرد التقليد.


محاولة للوصول الى فهم أعمق:


هذه الايجابيات قد يفكر فيها أي شخص، وقد قمت بعرضها على احدهم، فقال لي: ما ذكرته كايجابية أولى كلام صحيح، ولكن عندي ملاحظة على ما ذكرته كايجابية ثانية. قال: نحن لسنا بحاجة الى فهم لماذا الطلاق بيد الرجل ولماذا يجب أن تلبس المرأة الحجاب ولماذا النفقة على الرجل ولماذا زواج المتعة، ..، الخ، فنحن أولا ندرس أصول الدين كما يوجب علينا الاسلام، ويكفينا في التشريعات والقوانين ان نقلد المجتهد الجامع للشرائط، فما تذكره هنا ليست ايجابية لأننا لا نحتاج لأن نفهم الناس هذه المواضيع أساسا، انما نحن مضطرون، فهم دخلوا مجتمعاتنا وغروا الناس بقضايا الحرية والانفتاح.. وأصبحت مجتمعاتنا تهتم بهذه الأمور أكثر من اهتمامها بالرؤى الكونية، وصار من الصعب جذب كل الناس الى الطريق السابق وهو الحاجة الى فهم الرؤى الكونية فقط دون آثارها.

قلت له: أنا لا أقصد بالتشريعات والقوانين والمباديء الأمثلة التي ذكرتها فقط، بل أنا أعني كل يمكن ان نطلق عليها (التشريعات الاقتصادية) و(التشريعات السياسية) و(التشريعات الاجتماعية). ولعلنا لم تتناول المسألة كما ينبغي ويقتضيه المنطق، فلنعرف أولا ماهية أو هيكل وتركيب هذه التشريعات في الاسلام.

وبعد تفكير وبحث وصلنا الى ما يلي:

يقول السيد كمال الحيدري في حوار أجرته مجله فقه أهل البيت معه في عددها الخامس والثلاثين: (الحوزات العلمية - خصوصاً في النجف الاشرف - قد ابتعدت في الفترة الأخيرة عن الأبحاث التفسيرية والكلامية ورد الشبهات الفكرية والفلسفية، بل وحتى الدينية، كمسألة أن الدين فيه صلاحية إدارة الحياة أو لا؟ وهل أن الدين أساساً معني بإدارة المجتمع وتنظيم الحياة وشؤونها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أم أنه معني بالجانب العبادي من حياة الإنسان مقتصراً في الجوانب الأخرى على إعطاء الرؤى العامة دون الخوض في التفاصيل؟. قد يقال: أن الإسلام لم يقدم نظرية عامة في هذه المجالات، وأنه اكتفى بالرؤى العامة، مثلاً: الشارع كان يمكنه أن يعطي للإنسان خطوطاً عامة في مجال العبادات بتوجيه الإنسان توجيهات عامة، ولكنه تدخل في أدق التفصيلات في العبادات لتحديدها، فالسؤال مطروح في النظرية السياسية، وهل أن الإسلام اعتنى بتحديدها بالشكل الذي أولاه للعبادات؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي الأدلة على ذلك؟ هذه دعوى مطروحة فعلاً، ولا نريد الآن مناقشتها. وعليه فالدين إما ألا يتكفل تقديم النظريات السياسية والاجتماعية وغيرها، فيكتفي بالرؤى العامة ويوكل التفاصيل إلى الخبرة البشرية وتجاربها، وإما أن يتبنى إعطاء هذه النظريات في مجال العلاقات الدولية والحكم والسياسة والاجتماع بحيث تعالج نظريته الاقتصادية مسائل التضخم والبطالة وغيرها من المعضلات الاقتصادية. وعليه فلابد أن يعين الدين موقفه من هذه القضايا).

نفهم من هذا أنه اما أن لا تكون هناك الا ما يمكن أن نسميها (رؤوس أقلام) اسلامية فيما يخص هذه التشريعات، واما أن تكون هناك نظريات اسلامية واضحة مفصلة.

فاذا كان الأول: فان المسألة متروكة للخبرة الانسانية، لأن هذه الأمور متغيرة غير ثابتة، وبالبداهة هي كذلك لأن الظروف تتغير والحضارات والثقافات المختلفة تتداخل، أي أن هذا الموقف يعتبر تغير الظروف وتداخل الثقافات المختلفة أمر طبيعي ولازمي الحصول، وبالتالي فان اعتبار تناول التشريعات بطريقة استدلالية منطقية على انه ايجابية للغزو الثقافي الأجنبي لا معنى له، ولا يمكن اعتباره حاجة اضطرارية بالمعنى الذي يريده المعترض أيضا. انه حاجة طبيعية وضرورية لبناء النظام، ويجب ان يقوم به مؤيدوا هذا الموقف بهذا الدافع.

اما اذا كان الثاني: فان مسؤولية وضع التشريعات يكون على عاتق علماء ومفسري الدين. وفي هذه الحالة تناول التشريعات بطريقة استدلالية تكون حاجة طبيعية أيضا بغض النظر عن دخولها في مجال التقليد أو عدم دخولها، ويجب أن يقوم به مفسري الدين لهذا السبب، لأن الدفع والتدافع الاجتماعي شيء طبيعي، يعني وصول المجتمع الى الوضعية التي يطلب فيها استدلالات على كل شي، شي طبيعي.. ترتبت أسباب ومسببات معينة ووصل المجتمع الى هذه الوضعية، ولو ترتبت أسباب ومسببات مختلفة لوصل الى وضعية أخرى، وفي كل الحالات ستكون الوضعية جديدة مختلفة عن الوضعية السابقة، وهذا أمر بديهي لكل من له اطلاع ولو بسيط على تاريخ المجتمعات البشرية، فيجب أن يعترف به الدين. اما بالنسبية للايجابية الأولى فالظاهر انها تبقى ايجابية.



لماذا كل هذه السلبيات التي نلاحظها؟

السلبيات التي نلاحظها تتنوع بين الانحرافات الأخلاقية والفكرية. الانحرافات الاخلاقية - مع استمرارية المواعظ والقصائد الرنانة - هي بسبب: عدم تناول دوافعها بطريقة عصرية، ودراستها دراسة شاملة، والاقتصار على الطريقة الكلاسيكية. والانحرافات الفكرية هي بسبب: عدم فهم روح العصر، وبالتالي طرح مواضيع عتيقة مغبرة، وتناول المستجدات بطريقة بعيدة كل البعد عن الاسلوب العلمي. مثلا أذكر رد احدهم على سؤال في نظرية التطور لـ (تشارلز دارون): ان السائل رضى لنفسه أن يكون حفيدا للقردة!!. هل هذا رد علمي؟.


واذا أخذنا رأي الموقف الثاني الذي ذكرناه أعلاه - أي الذي يرى أن الدين معني بكل المجالات الضرورية للحياة - فان عدم تقدم علماء ومفسري الدين المتخصصين، سيؤدي الى تدخل غيرهم، ممن قد لا يفهمون الدين كما يجب أن يفهمه المتخصص، وبالتالي انحرافهم. يقول السيد كمال: (فإذا قبلنا بأن للدين نظرياته في مجال الاجتماع والسياسة والحياة بكل مجالاتها، فلا شك أن مفسري الدين هم الذين يقومون بذلك، فإذا لم يتدخل هؤلاء لأي سبب من الأسباب.. وسكتوا عن ذلك، فهل يعني ذلك أن الآخرين سوف يسكتون عن ذلك؟ من المؤكد لا؛ لأن هذه القضايا حياتية تتطلب إجابات ومعالجات محددة، وحركة الحياة لا تتوقف بسكوتنا، والغير سوف لا ينتظرنا، بل سيقدم نظرياته وقراءاته في هذه المجالات باسم الدين، وليس من حقنا أن نحظر عليه هذه القراءة، بل من حق الشخص أن يقدم قراءته الخاصة، ولكن ليس بإمكانه منع الآخرين من ذلك).

أما اذا أخذنا الرأي الأول فلعل الانحرافات والأخطاء ستكون ضرورية لكي تتكون الخبرة....! وكما أشرت فان حصول هذه السلبيات شيء طبيعي، ولكن السؤال الأخير يقول: هل يمكن اعدام هذه السلبيات 100%؟ هل يمكن ارضاء كل الناس؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق