مشكلة الوعي المعاصر
بقلم: علي داود اللواتي
لو تأمّلنا في التاريخ قليلا، لوجدنا أنّ كل عصر او لنقل كل حضارة تتمتّع بحسّ خاصّ ووعي خاصّ وعقليّة خاصّة تنظر به الى ما يقابلها من شؤون الحياة. ولعلّ أبسط مثال لايضاح هذا المعنى هو: الفرق بين عصر صدر الاسلام والعصر الحالي في التّعامل مع مسألة وجود الله تعالى مثلا. فهذه المسألة لم تكن تمثّل مشكلة في صدر الاسلام، وقد تعامل معها القرآن الكريم بقوله: "أفي الله شكّ فاطر السماوات والأرض؟"، ولكن اليوم التّعامل مع نفس هذه المسألة بقول: "أفي الله شكّ فاطر السماوات والأرض؟" لم يعد مجديا كثيرا، وهذا ما يشير اليه أيضا الشهيد محمّد باقر الصّدر رضوان الله عليه في مقدّمة كتابه (موجز أصول الدين). فلماذا لم يعد مجديا؟ لأن الحسّ والوعي والعقليّة اختلفت. واختلاف الحسّ او الوعي هذا هو سبب المشكلة التي تحصل اليوم بين المثقّف والنصوص الدينية، أو بين المثقف والأحكام الدّينيّة، او بين المثقف وعالم الدّين.
يذكر الأستاذ منير الخبّاز في احدى محاضراته لهذا العام محرّم 1432 هـ بعنوان (نزعة التاويل في الفكر الامامي) أن أحد الحداثيّين يقول أنه لا يوجد حدّ للسرقة في القرآن، يعني القرآن لم يذكر أن السارق يجب ان تقطع يده، ويؤوّل الآية: "والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا" بانّها لا تعني قطع اليد بشكل فعليّ، وانّما تريد أن تشير الى قطع سبيل السّرقة. ان مشكلة مثل هؤلاء الحداثيّين الأساسيّة هي هذه: مشكلة اختلاف الحسّ والوعي، والذي ينتج بسببه التناقض بين العقل والحكم الديني عندهم، ومثل هذا التناقض لا يمكن حلّه الاّ باحدى الطريقتين: امّا رفض النصّ بالمرّة، وامّا تأويل النصّ بما يتناسب مع معطيات "الوعي المعاصر".
المشكلة مع من هم ضدّ الفكر الحديث لأنه يخالف الثابت من الدين، هي انّهم لا يفهمون هذه المسألة جيّدا، فهم يعتقدون أن "الحداثيّين" ومن شابههم مشكلتهم في سوء فهم النصوص، وأنّ ايراد الأدلّة المنطقيّة والنقليّة يجب ان يكون كافيا ومقنعا، في حين انّ المشكلة ليست في سوء فهم النصوص بالدرجة الاولى، ولا ايراد الادلة المنطقية والنقليّة هو الحلّ المقنع والكافي، لأنّ ما يؤمن به هولاء "الحداثيّين" ومن شابههم أصبح عندهم مثل بديهيّات العقل، والبديهيّات العقليّة لا تحتاج الى اثبات كما انّها لا تتحمّل النفي. ولذلك نقول بأنّ الحلّ يكمن في طريقتين فقط: اما الرفض مطلقا، وامّا التأويل المناسب.
شكرا للقراءة
بقلم: علي داود اللواتي
لو تأمّلنا في التاريخ قليلا، لوجدنا أنّ كل عصر او لنقل كل حضارة تتمتّع بحسّ خاصّ ووعي خاصّ وعقليّة خاصّة تنظر به الى ما يقابلها من شؤون الحياة. ولعلّ أبسط مثال لايضاح هذا المعنى هو: الفرق بين عصر صدر الاسلام والعصر الحالي في التّعامل مع مسألة وجود الله تعالى مثلا. فهذه المسألة لم تكن تمثّل مشكلة في صدر الاسلام، وقد تعامل معها القرآن الكريم بقوله: "أفي الله شكّ فاطر السماوات والأرض؟"، ولكن اليوم التّعامل مع نفس هذه المسألة بقول: "أفي الله شكّ فاطر السماوات والأرض؟" لم يعد مجديا كثيرا، وهذا ما يشير اليه أيضا الشهيد محمّد باقر الصّدر رضوان الله عليه في مقدّمة كتابه (موجز أصول الدين). فلماذا لم يعد مجديا؟ لأن الحسّ والوعي والعقليّة اختلفت. واختلاف الحسّ او الوعي هذا هو سبب المشكلة التي تحصل اليوم بين المثقّف والنصوص الدينية، أو بين المثقف والأحكام الدّينيّة، او بين المثقف وعالم الدّين.
يذكر الأستاذ منير الخبّاز في احدى محاضراته لهذا العام محرّم 1432 هـ بعنوان (نزعة التاويل في الفكر الامامي) أن أحد الحداثيّين يقول أنه لا يوجد حدّ للسرقة في القرآن، يعني القرآن لم يذكر أن السارق يجب ان تقطع يده، ويؤوّل الآية: "والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا" بانّها لا تعني قطع اليد بشكل فعليّ، وانّما تريد أن تشير الى قطع سبيل السّرقة. ان مشكلة مثل هؤلاء الحداثيّين الأساسيّة هي هذه: مشكلة اختلاف الحسّ والوعي، والذي ينتج بسببه التناقض بين العقل والحكم الديني عندهم، ومثل هذا التناقض لا يمكن حلّه الاّ باحدى الطريقتين: امّا رفض النصّ بالمرّة، وامّا تأويل النصّ بما يتناسب مع معطيات "الوعي المعاصر".
المشكلة مع من هم ضدّ الفكر الحديث لأنه يخالف الثابت من الدين، هي انّهم لا يفهمون هذه المسألة جيّدا، فهم يعتقدون أن "الحداثيّين" ومن شابههم مشكلتهم في سوء فهم النصوص، وأنّ ايراد الأدلّة المنطقيّة والنقليّة يجب ان يكون كافيا ومقنعا، في حين انّ المشكلة ليست في سوء فهم النصوص بالدرجة الاولى، ولا ايراد الادلة المنطقية والنقليّة هو الحلّ المقنع والكافي، لأنّ ما يؤمن به هولاء "الحداثيّين" ومن شابههم أصبح عندهم مثل بديهيّات العقل، والبديهيّات العقليّة لا تحتاج الى اثبات كما انّها لا تتحمّل النفي. ولذلك نقول بأنّ الحلّ يكمن في طريقتين فقط: اما الرفض مطلقا، وامّا التأويل المناسب.
شكرا للقراءة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق