الجمعة، ١٧ ديسمبر ٢٠١٠

الى نهضة فكرية.. من أجل نهضة علمية

الى نهضة فكرية.. من أجل نهضة علمية
بقلم: علي داود اللواتي

يهمّ بعض شبابنا وشابّاتنا من هذا الجيل على الخروج من مجموعة دول العالم الثالث، وركوب الحضارة العلميّة والتنافس مع بريطانيا وفرنسا وأمريكا واليابان على مستوى الاقتصاد والتجارة والصناعة والاختراعات والاكتشافات والتكنولوجيا والجامعات. بعض هؤلاء يستمر هذا الهمّ عنده في الأحلام فقط، ولا يخرج الى أرض الواقع اطلاقا - ولا ألومهم في ذلك فكلنا يريد أن يتزوّج ويشبع ويأخذ دورة واحدة على الأقلّ حول العالم - والبعض الآخر يسير بهذا الهمّ على سطح الأرض ظانّا بأنّه يقض لا يحلم، وفي الحقيقة هو يحلم بـ(أحلام اليقظة).
المشكلة أن شبابنا وشابّاتنا يسلكون طريقا نهايته ليست في نهضة علميّة او تطوّر او تقدّم علمي (حقيقي) ولا يمكن أن نسمّيها كذلك.
ان النهضة العلميّة (الحقيقيّة) لا تقوم الا على أساس نهضة فكريّة، والتي تقوم من غير ذلك هي ليست نهضة بل هي نوع من أنواع (الاستحمار)، ويمكن أن نسمّيها (نهضة استحمارية)، حيث تكون عبثيّة لا أساس واقعيّ لها.
فالفرد يعمل ويكدّ ويجتهد باسم الدّين والوطن لهذه النهضة الاستحماريّة ليذهب عمله وتعبه هباءا منثورا على أرض الواقع.
يطالبنا أصحاب (أحلام اليقظة) بأن نمشي على طريقة الأوروبيين والأمريكيين واليابانيين، فنهتم بما يهتمّون، ونعمل كما يعملون. الا أنهم مخطئون. فالأمريكي والأوروبي والياباني يعتبر نفسه جزءا من جهاز الدولة الذي اختاره بنفسه عن طريق الانتخاب المباشر النزيه. يعني هو مطمئن من هذه الناحية. فهو والدّولة جسم واحد وروح واحدة. كما ان المجال الذي يعمل فيه ليس هو المجال الوحيد الذي تقوم عليه عظمة دولته، ولا هو - أي مجاله - أساس هذه العظمة، فاهتمامه وابداعه لم يأتي بين ليلة وضحاها، فقد نزفت الأقلام فكرا وتأمّلا حتى أوصلته الى الوضع الحالي. يعني باختصار حالة وظروف الأمريكي والأوروبي والياباني مختلفة.
مشكلتنا أننا أمّيون في الفلسفة والتّاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع*، ولا ندري بأنّ النهضة العلميّة والتقدم الذي نسعى اليه لا يمكن ان يحدث من دون هذه الفنون، فهذه الفنون هي التي تحفز وتدفع على العمل وهي التي تحدد الغاية والهدف منه، فيكون ذا قيمة واقعية حقيقية.
التقدم العلمي الذي لا يقوم على اساس تقدم فكريّ مثله مثل البدوي الذي يسوق احدث السيارات شامخا أنفه: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا.
مشكلة شبابنا وشاباتنا أنهم امّا أن لا يكون عندهم أيّ أساس في عالم الفكر والتأمّل، واما أنّهم ينطلقون من مسلّمات وبديهيّات لا تناسب زمانهم.
النهضة الفكريّة والثقافة الواعية لن تأتي عن طريق حشو الدماغ بالنصائح الفارغة والمعلومات العاجية والتحفيظ والتلقين.
 النهضة الفكرية  تأتي من خلال الانفتاح على الثقافات الأخرى والفلسفات والرؤى المخالفة. فمن دون هذا الانفتاح تكلّمت ما تكلّمت وخطبت ما خطبت كل كلامك سيدخل من اذن ويخرج من الأخرى دون أي أثر، فالناس لن تفهم ماذا تقول ولما تقول، وستعتبرك انسانا معقّدا، تعيش في عالم غير عالمهم، أو على الأقل سترجع للبيت ويمرّ يوم أو يومان وتنسى ما بحّطت صوتك لأجله.
النهضة الفكرية تعني حركة الفكر، فلا بدّ من وجود اطراف متناقضة. كما انها صيرورة اجتماعية باعتقادي. يعني: هي تصير ولا تفرض.
النهضة الفكرية تحتاج الى انقلاب فكري وحيرة وشكّ وتردّد وتحوّل الأمور البديهية الى أمور نظرية.
ان مجتمعاتنا بحاجة الى هزة جذرية، والى تقييم الكثير من المسائل. بحاجة الى مواد مدرسية وجامعية جديدة. بحاجة الى فلاسفة ومفكّرين اجتماعيين ونفسانيين ينزلون من علياء الفلسفة ليعيشوا بين الناس. بحاجة الى أمثال جان جاك روسو وفولتير وجون لوك وهيغل وديكارت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فغالبيّة عقولنا اليوم تذهب ناحية الهندسة والطبّ، وترجع ولا حتّى بخفّي حنين، والتي تذهب الى غيرهما نادرا ما يعرفها عامّة النّاس !.

شكرا للقراءة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق