هذه المواضيع تزعزع عقائد النّاس .. !!
بقلم: علي داود اللواتي
لا عجب أننا نعيش في مجتمعات أصبح أفرادها يرفضون أوضح الواضحات العصريّة، ويا ليتهم يفعلون ذلك بمليء ارادتهم، ولكن لمجرّد تقليد أعمى لا يقوم على أيّ أساس من دليل أو منطق، فعندما تطرح مواضيع ثقافيّة نقاشيّة محترمة يرون فيها انتقادا لثوابتهم العقائدية سواء من طارح الموضوع أو من نقل عنه - اذ ليس هناك علاقة ضرورية بين النقل والتبنّي - تجدهم يرفضونها ويقاومونها، ويكون شعارهم المقدّس في ذلك: "هذه المواضيع تزعزع عقائد الناس"، فكان من الضروري أن نحلّل هذا الشعار ونفهمه، ومن النقاط التي آخذها شخصيّا عليه هي كالتالي:
- ينسى أصحاب مثل هذه الشعارات أنّ كل أحد يعتقد بأنّ عقيدته هي العقيدة الصحيحة، وعقائد غيره المختلفة عن عقيدته باطلة، وبالتالي اذا أخذنا بطريقتهم فانّ عليهم أيضا أن لا يعترضوا اذا قام أصحاب العقائد المخالفة لهم بمحاصرتهم ومنعوهم من طرح آرائهم وعقائدهم على العوام خوفا على عقائد العوام منهم، وقد يأتي بعض "المثقّفون الدّينيّون" الذين يناقضون أنفسهم ويقولون: "الفتاوى لا تقول بحرمة طرح مثل هذه المواضيع بشكل كامل، ولكنها تقول بحرمة طرحها على العوام فقط حتى لا تزعزع عقائدهم وتتسبّب في فوضى فكريّة، ولكن يمكن طرحها على علماء الدين والمتخصّصين في العلوم الدينية ليناقشوها". طيّب!. هل سيقبل هؤلاء العلماء المتخصّصين في العلوم الدينية كلّ أبحاث المثقّفين المخالفة لتوجّهاتهم ليناقشوها؟ وماذا لو لم يقبلوا بمحتويات هذه الأبحاث وحرّموا نشرها في صورة كتاب للباحث مثلا أو قاموا بتعديلات لا يرضى بها الباحث ولم يجد الباحث في مناقشاتهم كلاما مقنعا؟ هل يضرب ببحثه عرض الحائط؟. انّ أقلّ ما يمكن أن يقال عن مثل هذه الأفعال أنها تناسب الأنظمة الديكتاتورية والقرون الوسطى بل قرون الجاهلية ولا تناسب عصر الديموقراطية والعلم والانفتاح والثقافة والحرية.
- يوجد تناقض واضح بين هذا الشعار، وبين حرّية العقيدة، وعدم جواز التقليد في العقيدة. فهذا الشعار ينسب الزعزعة للعقيدة، ولكن ينسى أنه لا يجوز للانسان أن يقلّد في عقيدته، فلا يجوز له أن يقول مثلا أنا أؤمن بالله لأنّ السيّد السيستاني قال كذلك، أو أنا أؤمن بنبوّة النبي محمّد لأن الشيخ الخليلي قال كذلك، أو أنا ملحد لأنّ تشارلز دوكنز ملحد، أو أنا أؤمن بالتوسّل الى الله لأنّ الفقيه الفلاني يقول أنها موجودة في الروايات الصحيحة والقرآن، بل يجب أن يكون الانسان مجتهدا في عقيدته، ومطمئنّا بها اطمئنانا عقلائيّا، ويجب - بداهة - أن تقوم عقيدته على أساس برهاني لا نفسي عاطفيّ وخاصّة في مثل هذا العصر، وعندما نقول أنه لا يجوز قبول كلام الغير من دون دليل في العقيدة، فان هذا يعني أن لا نضع قيودا وعوائق في سبيل البحث العقائدي، ويجب أن نفتح المجال للناس لكي يقرؤوا ويفهموا كلّ الاطراف الموجودة على الساحة العقائديّة، وبكامل حرّيتهم، أمّا اذا قلنا للناس لا اكراه في الدين ولا يجوز التقليد في العقيدة ولكن عليكم ان تسلكوا هذا الطريق ويجب أن تقرؤوا كتب العالم الفلاني ولا يجوز لكم أن تطّلعوا على كتب الشخص الفلاني، فهذا هو عين التناقض.
- كل ما يندرج في الدين تحت اسم العقيدة فانّه يكون للجميع، ويمكن لأيّ شخص أن يبحث فيها، بل من حقّه الطبيعي والفطري أن يبحث فيها بنفسه ولا يعتمد فيها على قول غيره، فبالتالي حصر البحوث العقائدية على الذين يمكلون شهادات أكاديميّة من الحوزات وكلّيات ومعاهد الشريعة أمر غير مقبول بتاتا، وهذا لا يعني أني أقول يمكن لأي شخص من الشارع لا يعرف ألف باء البحث العلمي أن يأتي ويكتب لنا بحثا رافضا لما هو سائد وخاليا من أيّ استدلال وبرهان ودليل ونقبل منه ذلك، بل أقول طالما أن الباحث شخص عاقل متعلّم مثقّف يقدّم استدلالاته فانّه يمكنه أن يبحث بنفسه ويمكنه أن يعرض أبحاثه اذا كان يرى فيها حقّا يجب أن يعرفه الناس، بل هذا حقّه الفطريّ الطبيعي الذي لا يجوز لأيّ أحد لا أن يمنحه ايّاه ولا أن يحرمه منه بل الطبيعة البشريّة هي التي غرست هذا الحق في طينته، وعلى المتخصّصين بدل وضع العراقيل أن يوضّحوا مناهجهم للعوام ويجيبوا على استفسارات الناس من دون يفرضوا أنفسهم عليهم.
- لماذا يوجد هناك خوف أساسا؟ هل عقيدتكم التي تؤمنون بها لا يمكن الاستدلال عليها ولا يمكنها أن تقنع الناس أم ماذا؟ فاذا لا يوجد عندكم ادلة على عقائدكم فكيف يجوز لكم أن تدّعوا أنّها حق وتفرضوها على الآخرين؟ يعني اذا لم يكن عندكم أدلة فلا يعني بأن عقيدتكم خاطئة بالضرورة ولكن لا يجوز لكم حينها ان تفرضوها على غيركم، احتفظوا بها لأنفسكم وكفى. وربّما يقول البعض بأن العقيدة معقّدة والشبهات المطروحة تحتاج الى مقدّمات علميّة يفتقر اليها العوامّ، أفهل هذا الكلام مقنع حقّا؟ أفهل يجوز ابقاء الناس على الجهل بالعقيدة وما يتعلّق بها وخاصة في هذا العصر على أساس هذا العذر؟ وهل العقيدة جاءت للناس أم لفئة المتخصّصين من الناس؟ أمر غريب حقّا لأني لا أستطيع ان أفهم ماذا تعني العقيدة عند أمثال من يتعذّرون بمثل هذه الأعذار، فتارة يقولون أنّ العقيدة لا يجوز فيها التقليد وأنها رؤية كونيّة وهي أساس العمل وهي التي تعطي لحياة الانسان قيمتها ومعناها الحقيقي، وتارة يقولون أنّ الناس يمكن أن تبقى جاهلة بالعقيدة وتسير في سلوكيّاتها كما تسير الأغنام والمواشي. وشخصيّا لا أعتقد أنّ المشكلة في أن العقيدة معقّدة أو لا يتوفّر لدى العوام المقدّمات العلميّة اللازمة للفهم بقدر ما أعتقد أن المشكلة عند هؤلاء تكمن في أمرين:
الأول: هؤلاء بأنفسهم - وفي بواطن عقولهم أو ظواهرها - ليسوا أكثر من مقلّدين عميان للسلف والتراث ولكلّ ما هو قديم، وبالتالي يخافون أن يظهر للناس ضعف منطقهم، وسخافة استدلالاتهم.
الثاني: لا توجد عندهم كوادر موهوبة كافية لايصال العقيدة بشكل مقنع الى أذهان الناس، لأنّه حتى لو كانت العقيدة معقّدة فانّ الكادر الموهوب والتدريب العلميّ المتقن يمكن أن يوصّل الأفكار الى الأذهان بأسلوب سلسل وبضرب الأمثلة المناسبة للتقريب كما شاهدنا في اوربّا في القرون الماضية وفي بعض البلدان الاسلاميّة، وخاصة في مثل هذا العصر الذي تتوفّر فيها التقنيّة المتقدّمة والتعليم منتشر بين الناس.
شكرا للقراءة.
بقلم: علي داود اللواتي
لا عجب أننا نعيش في مجتمعات أصبح أفرادها يرفضون أوضح الواضحات العصريّة، ويا ليتهم يفعلون ذلك بمليء ارادتهم، ولكن لمجرّد تقليد أعمى لا يقوم على أيّ أساس من دليل أو منطق، فعندما تطرح مواضيع ثقافيّة نقاشيّة محترمة يرون فيها انتقادا لثوابتهم العقائدية سواء من طارح الموضوع أو من نقل عنه - اذ ليس هناك علاقة ضرورية بين النقل والتبنّي - تجدهم يرفضونها ويقاومونها، ويكون شعارهم المقدّس في ذلك: "هذه المواضيع تزعزع عقائد الناس"، فكان من الضروري أن نحلّل هذا الشعار ونفهمه، ومن النقاط التي آخذها شخصيّا عليه هي كالتالي:
- ينسى أصحاب مثل هذه الشعارات أنّ كل أحد يعتقد بأنّ عقيدته هي العقيدة الصحيحة، وعقائد غيره المختلفة عن عقيدته باطلة، وبالتالي اذا أخذنا بطريقتهم فانّ عليهم أيضا أن لا يعترضوا اذا قام أصحاب العقائد المخالفة لهم بمحاصرتهم ومنعوهم من طرح آرائهم وعقائدهم على العوام خوفا على عقائد العوام منهم، وقد يأتي بعض "المثقّفون الدّينيّون" الذين يناقضون أنفسهم ويقولون: "الفتاوى لا تقول بحرمة طرح مثل هذه المواضيع بشكل كامل، ولكنها تقول بحرمة طرحها على العوام فقط حتى لا تزعزع عقائدهم وتتسبّب في فوضى فكريّة، ولكن يمكن طرحها على علماء الدين والمتخصّصين في العلوم الدينية ليناقشوها". طيّب!. هل سيقبل هؤلاء العلماء المتخصّصين في العلوم الدينية كلّ أبحاث المثقّفين المخالفة لتوجّهاتهم ليناقشوها؟ وماذا لو لم يقبلوا بمحتويات هذه الأبحاث وحرّموا نشرها في صورة كتاب للباحث مثلا أو قاموا بتعديلات لا يرضى بها الباحث ولم يجد الباحث في مناقشاتهم كلاما مقنعا؟ هل يضرب ببحثه عرض الحائط؟. انّ أقلّ ما يمكن أن يقال عن مثل هذه الأفعال أنها تناسب الأنظمة الديكتاتورية والقرون الوسطى بل قرون الجاهلية ولا تناسب عصر الديموقراطية والعلم والانفتاح والثقافة والحرية.
- يوجد تناقض واضح بين هذا الشعار، وبين حرّية العقيدة، وعدم جواز التقليد في العقيدة. فهذا الشعار ينسب الزعزعة للعقيدة، ولكن ينسى أنه لا يجوز للانسان أن يقلّد في عقيدته، فلا يجوز له أن يقول مثلا أنا أؤمن بالله لأنّ السيّد السيستاني قال كذلك، أو أنا أؤمن بنبوّة النبي محمّد لأن الشيخ الخليلي قال كذلك، أو أنا ملحد لأنّ تشارلز دوكنز ملحد، أو أنا أؤمن بالتوسّل الى الله لأنّ الفقيه الفلاني يقول أنها موجودة في الروايات الصحيحة والقرآن، بل يجب أن يكون الانسان مجتهدا في عقيدته، ومطمئنّا بها اطمئنانا عقلائيّا، ويجب - بداهة - أن تقوم عقيدته على أساس برهاني لا نفسي عاطفيّ وخاصّة في مثل هذا العصر، وعندما نقول أنه لا يجوز قبول كلام الغير من دون دليل في العقيدة، فان هذا يعني أن لا نضع قيودا وعوائق في سبيل البحث العقائدي، ويجب أن نفتح المجال للناس لكي يقرؤوا ويفهموا كلّ الاطراف الموجودة على الساحة العقائديّة، وبكامل حرّيتهم، أمّا اذا قلنا للناس لا اكراه في الدين ولا يجوز التقليد في العقيدة ولكن عليكم ان تسلكوا هذا الطريق ويجب أن تقرؤوا كتب العالم الفلاني ولا يجوز لكم أن تطّلعوا على كتب الشخص الفلاني، فهذا هو عين التناقض.
- كل ما يندرج في الدين تحت اسم العقيدة فانّه يكون للجميع، ويمكن لأيّ شخص أن يبحث فيها، بل من حقّه الطبيعي والفطري أن يبحث فيها بنفسه ولا يعتمد فيها على قول غيره، فبالتالي حصر البحوث العقائدية على الذين يمكلون شهادات أكاديميّة من الحوزات وكلّيات ومعاهد الشريعة أمر غير مقبول بتاتا، وهذا لا يعني أني أقول يمكن لأي شخص من الشارع لا يعرف ألف باء البحث العلمي أن يأتي ويكتب لنا بحثا رافضا لما هو سائد وخاليا من أيّ استدلال وبرهان ودليل ونقبل منه ذلك، بل أقول طالما أن الباحث شخص عاقل متعلّم مثقّف يقدّم استدلالاته فانّه يمكنه أن يبحث بنفسه ويمكنه أن يعرض أبحاثه اذا كان يرى فيها حقّا يجب أن يعرفه الناس، بل هذا حقّه الفطريّ الطبيعي الذي لا يجوز لأيّ أحد لا أن يمنحه ايّاه ولا أن يحرمه منه بل الطبيعة البشريّة هي التي غرست هذا الحق في طينته، وعلى المتخصّصين بدل وضع العراقيل أن يوضّحوا مناهجهم للعوام ويجيبوا على استفسارات الناس من دون يفرضوا أنفسهم عليهم.
- لماذا يوجد هناك خوف أساسا؟ هل عقيدتكم التي تؤمنون بها لا يمكن الاستدلال عليها ولا يمكنها أن تقنع الناس أم ماذا؟ فاذا لا يوجد عندكم ادلة على عقائدكم فكيف يجوز لكم أن تدّعوا أنّها حق وتفرضوها على الآخرين؟ يعني اذا لم يكن عندكم أدلة فلا يعني بأن عقيدتكم خاطئة بالضرورة ولكن لا يجوز لكم حينها ان تفرضوها على غيركم، احتفظوا بها لأنفسكم وكفى. وربّما يقول البعض بأن العقيدة معقّدة والشبهات المطروحة تحتاج الى مقدّمات علميّة يفتقر اليها العوامّ، أفهل هذا الكلام مقنع حقّا؟ أفهل يجوز ابقاء الناس على الجهل بالعقيدة وما يتعلّق بها وخاصة في هذا العصر على أساس هذا العذر؟ وهل العقيدة جاءت للناس أم لفئة المتخصّصين من الناس؟ أمر غريب حقّا لأني لا أستطيع ان أفهم ماذا تعني العقيدة عند أمثال من يتعذّرون بمثل هذه الأعذار، فتارة يقولون أنّ العقيدة لا يجوز فيها التقليد وأنها رؤية كونيّة وهي أساس العمل وهي التي تعطي لحياة الانسان قيمتها ومعناها الحقيقي، وتارة يقولون أنّ الناس يمكن أن تبقى جاهلة بالعقيدة وتسير في سلوكيّاتها كما تسير الأغنام والمواشي. وشخصيّا لا أعتقد أنّ المشكلة في أن العقيدة معقّدة أو لا يتوفّر لدى العوام المقدّمات العلميّة اللازمة للفهم بقدر ما أعتقد أن المشكلة عند هؤلاء تكمن في أمرين:
الأول: هؤلاء بأنفسهم - وفي بواطن عقولهم أو ظواهرها - ليسوا أكثر من مقلّدين عميان للسلف والتراث ولكلّ ما هو قديم، وبالتالي يخافون أن يظهر للناس ضعف منطقهم، وسخافة استدلالاتهم.
الثاني: لا توجد عندهم كوادر موهوبة كافية لايصال العقيدة بشكل مقنع الى أذهان الناس، لأنّه حتى لو كانت العقيدة معقّدة فانّ الكادر الموهوب والتدريب العلميّ المتقن يمكن أن يوصّل الأفكار الى الأذهان بأسلوب سلسل وبضرب الأمثلة المناسبة للتقريب كما شاهدنا في اوربّا في القرون الماضية وفي بعض البلدان الاسلاميّة، وخاصة في مثل هذا العصر الذي تتوفّر فيها التقنيّة المتقدّمة والتعليم منتشر بين الناس.
شكرا للقراءة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق