الجمعة، ٤ مارس ٢٠١١

على هامش أحداث الاحتجاجات في عمان 2



على هامش أحداث الاحتجاجات في عمان 2
علي داود اللواتي
****

مطالب المتظاهرين (سواء أولئك المنظّمين او غير المنظّمين) متنوّعة بين مطالب اجتماعيّة معيشيّة ومطالب ادارية [سياسيّة] وغيرها. كما أنّ هذه المطالب (حسب ملاحظتي القاصرة) تختلف في التركيز باختلاف مكان الاعتصام، فمثلا في صحار (وحسب ما بدا لي) أنّ التركيز هو على الاصلاحات الاجتماعيّة المعيشيّة، ولكن في مسقط أمام مجلس الشورى مثلا التركيز (أكرّر حسب ما بدا لي أنا) هو على الاصلاحات الادرايّة ومحاسبة المسؤولين وما الى ذلك.

بعبارة أخرى: ما يطلبه المعتصمون من الحكومة هي أشياء متنوّعة، وحتى الآن الكثير من مطالب الاصلاحات الاداريّة على وجه الخصوص لم تتحقّق أو لم يتّضح أمرها جليّا بعد، فما صدر من أنه في الدورة القادمة سيتمّ تعيين خمسة وزراء من أعضاء مجلس الشورى مثلا هو مرسوم غير واضح، لأن حسب ما يظهر من بيان المعتصمين في مسقط فانهم يطالبون باقالة عدد من الوزراء بالاسم (وفق مدة زمنيّة معلومة)، وهذا المرسوم لا يحدّد الوزارات التي ستجدّد، وكذلك يطالبون مثلا بتشكيل لجنة وطنيّة لصياغة دستور تعاقدي للبلد (وشخصيا أرى ان هذا المطلب لا بأس به بشرط أن تحدّد له فترة زمنيّة معقولة مقدرة لوضع البلد الثقافي لأنه يتضمّن عمل استفتاء شعبيّ على مباديء الدستور التي ستصوغه نخبة عمان الممثّلة لكافّة شرائح المجتمع العمانيّ).

***

بعض المراسيم التي صدرت لنتسائل - مع كامل الاحترام - عن مدى امكانيّتها لاصلاح الفساد الذي يدّعيه المعتصمون والمعارضون والذي هو المشكلة الأساسيّة والمحور التي تدور حوله كلّ المطالب: مثلا استقلاليّة الادّعاء العام الاداريّة والماليّة. هل استقلاليّة الادّعاء العام هذه يمكن أن تحلّ مشكلة الفساد الذي يدّعيه المعتصمون؟ أليس من الأفضل عمل تغييرات جذريّة في تشكيلة المنتسبين لهذا الادّعاء العام ولو باصدار خطاب رسميّ يعد بذلك وفق خطّة زمنيّة معقولة؟

ومثلا المرسوم الذي جمّد قانون الضمان الاجتماعيّ الذي يوقّف دعم الحكومة للاسرة في حاجة عمل أحد أفرادها. أليس من الأفضل سؤال المسؤول [الوزير] الذي كان وراء اصدار مثل هذا القانون الذي عانى منه ولو (بعض) المواطنين (حسب ما يظهر لي)؟

كذلك المرسوم الذي أمر بتوفير 50 الف وظيفة للباحثين عن العمل. أليس من الأفضل أن تتمّ محاسبة المسؤولين في وزارة القوى العاملة لمثل هذا التعطيل والخمود؟ أليس من الأفضل - لحلّ مشكلة الفساد والتي هي المشكلة الأساسيّة التي يطالب المعتصمون بحلّها - أن يتمّ سؤال المسؤول [الوزير] عن التأخّر في توفير هذه الـ 50 ألف وظيفة قبل صدور هذا المرسوم الجديد حتى خرج الغاضبون الى الشارع وحصل ما حصل من تخريب؟!.

 ومن ثمّ فانّ المشكلة (في رأيي المتواضع) ليست في توفير وظائف في حدّ ذاتها، بل المشكلة في توفير وظائف مناسبة تتناسب مع المكتسبات العلميّة لدى الباحثين عن عمل، فحسب ما أسمع من بعض الشباب فانّهم يرفضون عروض القوى العاملة لأنها لا تتناسب مع مكتسباتهم ومؤهّلاتهم العلميّة.

***

هناك نقطة جديرة بالانتباه لها تتعلّق برفض الشباب لعروضات العمل من القوى العاملة (في حالة عرضها طبعا !) سواء كان هذا الرفض صحيحا او خاطئا، يعني سواء كان الشباب فعلا عنده شهادة لا تتناسب مع العمل الذي تعرضه عليه القوى العاملة او كانت مجرّد [بطرة]. هذه النقطة هي أنّ الشباب (سواء بدليل او بغير دليل) غير مقتنع بوضعه الاقتصادي الحالي، ويعتقد أنّ هناك [مسؤولين] وأبناء مسوؤلين والذين عندهم [واسطات] يحصلون على أعمال راقية وبسهولة. يعني يعتقد - هؤلاء الشباب وغيرهم - بأن هناك فساد وهناك حالة عدم توزيع عادل للثروة والفرص بين أبناء الوطن الواحد (وخاصّة عندما يسمعون أنّ بعض المسؤولين أعطوا أربعين ألف ريال والبعض أعطي 200 الف ريال والبعض أعطي 50 الف ريال).

ولعلّه يمكننا أن نسأل أسئلة مشابهة في خصوص المراسيم الرسميّة الأخرى..!!

***

البعض ومن دافع حبّ الوطن (والأمن والأمان كذلك) يطالب المعتصمين بالرجوع الى بيوتهم، وقدّ سلّمت مطالبهم الى السلطان، يعني يقول هؤلاء ان المعتصمين عليهم أن يحترموا السلطان ويثقوا في عدالته وحكمته طالما انّ المطالب وصلت اليه.

[شخصيّا] أعتقد أنّه فعلا الذين تحقّقت مطالبهم لحدّ الآن ليرجعوا الى بيوتهم، ولكن (ربّما) من الأنسب لهم ان يقفوا وقفة تأمّل وتأكّد بأن الظلم الذي أحسّوا به (ان كانوا صادقين) لن يعود الى الساحة مرة أخرى ولن يتكرّر (فالمسؤولين لم يتغيّروا بعد، ومن سيتغيّر منهم لا نعرفهم لحدّ الآن).

النقطة الثانية هي أنّه مالذي يضمن أنّ المطالب رفعت كما طالب بها المعتصمون تماما؟. فقد ذكرت في البداية أنّ المطالب متنوّعة ومختلفة التركيز؟ فالبعض يعتقد أنّ التلاعب حصل في بيان المطالب التي رفعت الى سلطان البلاد - حفظه الله - بعد المسيرة الخضراء الثانية، فما الذي يضمن أنّ المطالب هذه المرّة - وخاصّة تلك التي تطالب بمطالب خطيرة كاقالة بعض المسؤولين والوزراء ومحاسبتهم ومحاسبة الفساد واهدار المال العام - مالذي يضمن أنّها وصلت كما أراد المعتصمون بالضبط؟ والضامن - في رأيي المتواضع - هو الاعلام [التغطية الاعلاميّة]. فليعرض التلفزيون العمانيّ الرسميّ مطالب المعتصمين سواء في صحار او مسقط او صلالة او صور او البريمي او أيّ مكان آخر، وليعمل مقابلات معهم [او مع ممثّليهم] بشكل واضح وعلني يتحدثون فيها عن مطالبهم ومشاكلهم بالضّبط.

الشباب - سواء اولئك الذي نقبل طريقتهم في الاعتصام أو لا نقبل - ليسوا ضدّ السلطان، وبالعكس (حسب ما يظهر) أنّهم واثقون في حكمة السلطان وعدالته، وهم يخاطبونه هو بالذات لقيادة الاصلاح الشامل لنظام البلاد، ولسان حالهم يقول كما قال المتظاهرون في المسيرة الخضراء الثانية: "يدا بيد مع السلطان نحو الاصلاح"، ولكنّ مشكلتهم مع بطانه السلطان [يعني المحيطين به]، وهذا واضح في الكثير من خطاباتهم، والكثير من شعاراتهم التي حملوها كـ "لا لتضليل السلطان" - وهو الشعار التي حملته امرأة في دوار صحار يوم الخميس الثالث من شهر مارس 2011، ومع الاعتقاد بفساد البطانة فانّ الرجوع الى البيت لمجرّد أنّ المطالب وصلت (وحتى لو وصلت فعلا كما يريدوها) لهو امر صعب حسب ما يظهر لي عند المعتصمين لحدّ الآن.

النقطة الأخيرة في هذا الصّدد هو أن نقبل بتغيّر العالم وتغيّر التفكير، فشباب اليوم ليسوا الذين عاصروا نهضة 1970، وطريقتهم في التفكير ليست على طريقة 1970، فهم لا يفكّرون بطريقة "بابا قابوس" كثيرا، واذا كنت أنت تفكّر كذلك، فغيرك لا يفكّر.


***

صحيح أنّ تغييرات "كبيرة" مثل هذه لا تحصل بين ليلة وضحاها، واذا طالب أحدهم بها كذلك فهو مخطيء بلا شكّ [في اعتقادي]، ولكن ما تتطلّبه الظروف والواقع الآن هو طمئنة الشعب بأن مطالبه وصلت كما أراد، وفتح باب الحوار الواضح الشفّاف مع المعتصمين للوقوف على حقيقة ما يطلبون [ليتبيّن الصحيح من السقيم]، وكذلك [أعتقد] أنّ اصلاحات مجلس الشورى كـ تطوير شروط الترشّح له، وزيادة صلاحيّاته، وضمان نزاهة انتخاباته، يمكن أن تحلّ معظم المشاكل.

شكرا للقراءة..

هناك تعليقان (٢):

  1. مثال على الرويبضات... عافانا الله من سقمكم*

    ردحذف
  2. هو ايش يعني روبيضات؟ ع العموم مشكور ع المرور والدعاء.. عافانا الله واياكم جميعا

    ردحذف