الأربعاء، ٢ مارس ٢٠١١

على هامش أحداث الاحتجاجات في عمان



على هامش الاحتجاجات في عمان
علي داود اللواتي

***

ربّما لن يكون ما تقرأونه هنا جديدا عليكم، ولكنه على كلّ محاولة لجمع بعض النقاط المتناثرة هنا وهناك في المنتديات وعلى الألسن.

***

أوّلا أريد أن أتكلّم عن أولئك الذين كانوا ينادون "يعيش قابوس ويعيش قابوس" من أول يوم، وعن أولئك الذي خرجوا في مسيرات عرفانيّة وولائيّة للسلطان اليوم في مسقط (كما نشر عنها)، وأقول لهم: لم يتعرّض المتظاهرون لشخص السلطان قابوس أبدا، ولم يحرقوا صوره، ولم يرفعوا شعارا ضدّه، بل على العكس تماما وكما يظهر في احدى الفيديوهات فانه عندما كان المتحدّث الى المتظاهرين في دوّار صحار ينطق اسم السلطان كان الجميع يصفّق، فهذه المظاهرات - يا جماعة الخير - ليست ضدّ السّلطان، بل هذه المظاهرات ضدّ الفساد وضدّ البطالة، هذه المظاهرات للمطالبة بحقوق شرعيّة وقانونيّة للشعب، وللمطالبة باصلاحات لابدّ منها ونحن دخلنا في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.. (وقد يبرر البعض مسيرات الولاء والعرفان هذه بمختلف المبررات ولكن المهم أن لانشوش على الحقيقة وهي أن المتظاهرين والمعتصمين بمختلف اساليبهم المقبولة وغير المقبولة ليسوا ضدّ السلطان وليسوا ضدّ الوطن).

***

حصلت أعمال شغب وعنف وتخريب، وكلنا ضدّ مثل هذه الأعمال، ولا يجوز - باعتقادي - تبرير مثل هذه الأعمال بأيّ طريق، فحتى لو كان الخطأ من الشرطة 100% فانّ هذه الأعمال التخريبية غير مبررة، ولا عذر للمخرّبين اذا ما أردنا أن نبرر وفق منطق عقلي بحت، ولكن العالم لا يتبع المنطق والعقل فقط دائما، فالهمجية والعواطف (وربما التدخلات الأجنبية) وعوامل اخرى كلها تلعب دورها.

ولكنّ هذه الأعمال لا تعني أن نطالب بوقف كل الاعتصامات السلميّة أيضا، ونتوقّف عن المطالبة بمزيد من الاصلاحات، كاصلاحات مجلس الشورى، وزيادة صلاحيّاته، والمطالبة بتجديد المجلس الوزاري الهرم بطاقات شابّة جديدة، وحتى بفتح محاكمات للكشف عن المفسدين واهدار المال العامّ (على الأقل لطمئنة الشعب).

وعندما نقول أننا ندعو الى مواصلة الاعتصامات السلميّة، فانّ ذلك أوتوماتيكيّا يعني أنّ هذه الاعتصامات تكون بعيدة كلّ البعد عن أعمال التخريب والعنف والاعتداء، ولا تؤدي الى قطع الطرق، ولا تؤدي الى تعطيل أعمال الناس ممّن لا يشاركون فيها، ولا تؤدي الى تعطيل دوامات طلاب المدارس. كما انّ هذه الاعتصامات (معقولة ومقبولة ولا مشكلة فيها طالما انها سلميّة بمعنى الكلمة) حتى تلبّى جميع المطالب او يفتح باب الحوار الشفاف حولها مع المتظاهرين والمعتصمين حتى لو سلّمت مطالبها الى السلطان.

***

أسباب العنف والتخريب الذي حصل كثيرة نظريّا، وقبل التعرّف على تفاصيل ما حدت وبدقّة لا يمكننا الجزم بصحّة أيّ سبب من هذه الأسباب وكونه الرئيسي في حصول ما حصل، فقد يكون السبب استفزاز الشرطة للمتظاهرين في اليوم الأول، وعدم تعاملها بلباقة معهم، وهمجيّة البعض مع هذا الاستفزاز ادت الى حصول ما حصل، وقد تكون تدخّلات اجنبيّة (كما ينشر الآن)، وقد يكون (نص-نص).

لا ننسى أننا شعب (أو جيل) ليس له أيّ تجربة احتجاجيّة من هذا القبيل، وجزء من واقعنا امّي حتى لو تعلّم وتخرّج من المدارس والجامعات والكلّيات، وتعليمنا سواء المدرسي او الجامعي لا يطرح أيّ شيء مذكور في قضايا كـ : سيادة الشعب، والدستور، وحقوق المواطنين. حتى ان أغلبيّتنا لم يسبق له ان قرأ النظام الأساسي للدولة أصلا، وبالتالي لا يعرف ما عليه وما له.

ولا ننسى أنّه لايوجد شرّ مطلق، كل الشر الموجود هو نسبي، فاذا نظرنا الى ما حصل من زاوية الكيفية والسرعة التي صدرت بها المراسيم السلطانيّة لمعالجة اوضاع الباحثين عن العمل، وأسر الضمان الاجتماعي، واستقلاليّة الادّعاء العام، فاننا يمكن ان نرى خيرا فيها، والا فاننا كنا سنحتاج الى عشرة مسيرات خضراء لتنفّذ المطالب التي تم تنفيذها او بعضا منها، فماذا حصل بعد المسيرة الخضراء الاولى والثانية؟ حتى التغطية الاعلاميّة كانت مشوّشة، وحتى بيان المطالب الذي رفع الى السلطان شكك البعض في التلاعب بها، وهذا لا يعني اني أبرر أعمال العنف والتخريب، ولكن أقول: الذي حصل حصل، والأفضل الآن الدعوة الى سلميّة الاحتجاجات ودعوات الاصلاح.


***

يظهر من خلال اتصال الأستاذ حسين العبري بالمذيع خالد الزدجالي على قناة عمان الرسمية وكذلك من البيان الذي تمت قراءته في دوار صحار أنّه يوجد هناك بعض التعقّل ويوجد هناك منظّمين ويوجد أناس بمطالب وضدّ التخريب، وهؤلاء لكي يرضوا - ان كانوا لا يتفاهمون - ان يحاورهم الاعلام بشكل علني ويعرض مطالبهم، وأن يخاطبوا من قبل جهات مسؤولة كبيرة، ويعطوا ضمانات، لأن ما نفّذ ليس كل شيء حسب الظاهر، وشخصيّا أعتقد أنّ مكان اعتصامهم في دوّار صحار غير صحيح وعليهم أن ينتقلوا الى مكان آخر أو على الأقل لا يقطعوا الطريق وحركة السير (كما أقرأ) فهو شيء غير مقبول (في نظري)، ولا ينسجم مع سلميّة الاعتصام الذي يدّعونه.

ومن ثم فان التركيز على مثال صحار فقط أمر خاطيء ويعتبر تشويشا للحقيقة، فقد يكون المخربين مندسين بين المعتصمين سلميّا - كما قال الأستاذ حسين العبري على القناة - أو يكونوا بعض الهمج من هنا وهناك أو يكون هناك تدخل أجنبي لعب دوره (كما تشير الى ذلك بعض الاخبار من شرطة عمان السلطانية حسب جريدة مسقط)، وهذا يمكن اعتباره أمر طبيعي، والمخربين يمكن أن يتواجدوا في كل مكان، ولكن عقلاء صحار ومن تجمع سلميا ولم يشارك في التخريب (حسب الظاهر) أخطأوا في أنهم لم يتحركوا بسرعة ضد التخريب أو ربما هناك أسباب لعدم مقدرتهم على صدّ التخريب، ومهما يكن الأمر فان التركيز على صحار يعتبر تشويشا للحقيقة، لأن هناك اناس معتصمين بشكل سلمي (بمعنى الكلمة) ومحترم وحضاري جدا في مسقط وربما في صلالة أيضا، والاعلام الرسمي غائب عنهم، وعن مطالبهم. 

***

المطالب يجب أن تكون معقولة، ويجب أن يكون المطالبون على وعي بحالة البلد الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، واذا كانت الحكومة غير قادرة على تلبية بعض المطالب لأنها خارج امكانيّات وحدود البلد، أو ترى أنها ليست في وقتها المناسب، فعليها - أي الحكومة - أن تكون صريحة في حوارها ونقاشها، وتتبع اسلوب الشفافيّة التامة مع الشعب، فالتكتّم على الأمور، وقاعدة "الشاهد هو الحاكم" احدى المشاكل الأساسيّة للدولة العمانيّة.

***

اذا كنت انت تريد أن تعيش على حالتك، وتريد كل خطوة الى الامام تقول لك الحكومة أن تخطوها، والا فانك لن تتقدّم، فهناك غيرك لا يريد أن يعيش على هذه الحالة، واذا كنت لا تعبّر ولا تكتب، وبالتالي لا تحس بأهمّية حرية التعبير والنقد، ولم تواجه مشاكل في حرّية التعبير والنقد مع المسؤولين، فغيرك واجه، وغيرك يحس بأهمّية التعبير والنقد، واذا كنت أنت لا تهتمّ بمحاسبة المسؤولين ومصاريف المال العامّ، فانّ غيرك يهتمّ، واذا أنت تحب وطنك بهذه الطريقة، فان غيرك له طرق أخرى في حب الوطن، وهي طرق سلميّة ومشروعة وقانونيّة، وليس من حقّك الاعتراض عليه حينئذ.

***

مشكلة المثقّفين أنّهم يعيشون في معزل عن النّاس، فالناس لا تدري ولا تعرف أبعاد برنامجهم الاصلاحي الذي يدعون اليه (وأخص هنا بعض مطالب بيان الاعتصام امام مجلس الشورى في مسقط الذي يشارك فيه عدد كبير من المثقّفين كما نشر)، كما أنّ هناك اشاعات حول بعضهم، وأنّهم يبحثون عن مصالحهم الشخصيّة، وأنّهم مقرّبون من الدولة بشكل مريب، وانّه كان هناك تلاعب من بعضهم في بيان المطالب التي رفعت الى سلطان البلاد بعد المسيرة الخضراء الثانية في مسقط، فبدل العمل على تبيين مثل هذه الأمور (والذي هو شيء مهم لأن مطالبهم ليست لهم فقط بل للشعب كما يزعمون) نجدهم مستمرّين في اعتصامهم، وكأنّ بقيّة الناس لا ناقة لهم ولا جمل في مطالبهم!.

***

أخيرا،،، أودّ الحديث عن المقتول الغملاسي من ولاية صحم رحمه الله (والذي انتشرت الشائعات المتضاربة حول شخصيّته وعمره، فما فهمناه من رئيس مجلس الشورى أن عمره 18 سنة، والبعض من صحم يقول أنه في حدود 35 سنة، والله اعلم. هكذا تنتشر الشائعات عندما يغيب الاعلام الفعّال). أقول: رحمه الله وتقبّله بواسع رحمته ورزق اهله الصبر والسلون، انه رحيم مجيب الدعوات.

لابدّ من فتح ملابسات هذه القضية، وقضية بداية انطلاق الشرارة في صحار، فما حصل في صحار لم يعد امرا شخصيّا خاصّا بعائلة المقتول او بأهل صحار، بل صار امرا وطنيّا وذلك عن طريق أنه قد يكون سببه سوء استغلال او تقصير من قبل المسؤولين، وبالتالي سوء استغلال وتقصير في حق الوطن والمواطنين، وكان من الممكن ان يكون بدل الغملاسي - رحمه الله - انا أو أنت أو أحد أقربائنا، فالملف يجب ان يفتح في كلّ القضيّة، ويجب محاسبة المسؤولين ومسببي أعمال التخريب أيضا.

ودعوتي الى فتح ملفّ لا يعني الدعوة الى الغوغائيّة مرة اخرى، بل فتح ملف بشكل صريح وعلني وشفاف للقضيّة بحيث لا تكون هناك حاجة الى أيّ احتجاج ضدّه أصلا.


شكرا للقراءة..

هناك تعليق واحد:

  1. الله يرحمك يالغملاسي لقد تم توظيف 5000 الف بسببك















































    \

    ردحذف