الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢

نابغة عمان: الأستاذ جواد بن جعفر بن ابراهيم الخابوري اللواتي - الجزء الأول


نابغة عمان: الأستاذ جواد بن جعفر بن ابراهيم الخابوري اللواتي (الجزء الأول)
من كتاب: الأدوار العمانية في القارة الهندية، دور بني سامة بن لؤي – اللواتية للأستاذ جواد الخابوري اللواتي.
تقديم المؤلف بقلم: محسن بن جمعة بن محمد اللواتي.

الولادة

في الخارج مطر مطر... فالسماء استجابت لدعوة العباد بالعطاء المدرار، والذي سيتحول بقدرة الاله المقتدر، تمرا وبرا وقطنا ونماء عاما... وفي ذلك اليوم، الجمعة، التاسع من ذي الحجة سنة 1330 هجرية حيث كان الفصل شتاء والناس يكسوهم التفاؤل والحبور لاحتفالهم بيوم الحج الأكبر، طرق باب الحياة في مدينة مطرح وليد ذكر لجعفر بن ابراهيم بن حبيب الخابوري وزوجته فاطمة بنت يوسف بن علي بن داود وهم من قبيلة اللواتية: تحير الأب، بعد أدائه الشعائر الدينية من تكبير واقامة في أذني الطفل، فأي اسم يجب أن يعطيه؟.

دلته سجيته الفطرية، فما دام الوقت ماطرا واليوم هو يوم الحج الأكبر، فليسمه (الحاج مطر)... لا... لا... ان الحاج مطر اسم مركب، وربما ثقيل، فليعطه من الأسماء الشريفة اذ أن اليوم هو يوم جمعة فليكن هو اسمه (جمعة) وهنا تدخلت أم جعفر أي جدة الوليد، زهرة بنت سلطان، بكل اصرار وجموح فارضة اسما منبعه حب آل بيت الرسول وبتأثير من بيئتها التي ولدت فيها بميناو، حيث كان الناس ينتقلون بين بلاد المسلمين من غير جوازات سفر، وسمت الوليد جوادا تيمنا باسم الامام محمد الجواد حفيد الامام جعفر بن محمد الصادق (مؤسس الفقه الجعفري) والذي ينتهي نسبه الى منبع البيت العلوي – علي وفاطمة.

في الأيام الخوالي، كان لكل مناسبة نكهة مميزة، خاصة مناسبات الولادة، فترى السرور والحبور مخيما على المنزل، فالأطفال ممتنعون عن الذهاب الى الكتاب والأقارب، النسوة، مجتمعات حول الوالدة، كل يؤدي وظيفة معينة تجاهها، فمنهن من تهيىء المبخرة وأخرى تخدم الوليد وهكذا. امتنعت شريفة أو (شرفية) كما كانت تنادى، وهي الجدة الكبرى للوليد جواد، أي (جدة والدة جعفر) بمناسبة ذلك الميلاد، عن العمل التجاري الذي كانت تتعاطاه في بيع الثياب والادوات الفاخرة المستوردة من الهند على بيوت السراة، ومنها بيت الحاكم المرحوم السلطان السيد تيمور بن فيصل، مما خلق صداقة وطيدة بين شريفة والسيدة فاطمة بنت علي بن سالم بن ثويني بن سعيد بن سلطان آل سعيد، زوجة السلطان، والتي كانت قد رزقت بمولود قبل تسعة أشهر، سمي بـ (سعيد) وهو والد جلالة السلطان قابوس المعظم سلطان عمان الحالي.

افتقدت السيدة فاطمة صديقتها شريفة فأرسلت وراءها من يبحث عنها، فلما وافتها الأخيرة وأخبرتها بنبأ المولود الجديد، والذي كان السبب في انقطاعها مؤقتا عن المجيء اليها، سرت السيدة فاطمة وطلبت منها أن تاخذ سعيدا الى أم جواد لترضعه لشح حليبها هي، فكانت أم جواد تأتي أحيانا الى القصر لترضع سعيدا وأحيانا أخرى يرسل سعيد الى سور اللواتية ليرضع هناك مما خلق صداقة وترابطا ووضعا خاصا لجواد الخابوري لدى السلطان سعيد الذي أصبح سلطانا للبلاد فيما بعد. ومما يذكره الأستاذ جواد الآن، فان السيد سعيد بن تيمور في طفولته كان يقضي أوقاتا وأياما مقيما في سور اللواتية، كذلك كان هو يذهب الى القصر ويقضي أياما هناك، وكثيرا ما كانت السيدة فاطمة، عند خياطتها الثياب لابنها سعيد تحسب حسابها لجواد من نفس النوع.
 
التعليم
 
ترعرع الطفل جواد وتغير حال والده، فانتقل الى الخابورة، حيث كان منها أصلا، ثم أخذه أبوه الى نفعة حيث دخل الكتاب يتعلم القرآن ويتمرن على الكتابة على لوح كتف الجمل، ثم رجع الى الخابورة وتعلم العربية هناك، ثم يمم وجهه شطر العاصمة مسقط ومطرح وتتلمذ على الأستاذ عبدالرسول بن غلام بن حسين بن جعفر اللواتي والملقب بـ (محاق) وهو شاعر وأديب ومنجم عصامي، فتعلم منه اللغات والشعر الجاهلي ثم على الشيخ موسى العصامي، وهو شيخ من رجالات الدين الذين كانت النجف الأشرف في العراق توفدهم للتوعية الدينية، فتعلم النحو والصرف وأصول الدين من كتاب الباب الحادي عشر للشيخ الصدوق، بعدها بدأ يوثق تعليمه، خاصة فيما يتعلق بأصول الدين والنحو فتتلمذ على يد المؤرخ والشاعر الكبير الشيخ محمد بن عبدالله اللواتي الملقب بـ (الطويل) ألفية ابن مالك، وفي هذه الأثناء وفد الى البلاد عالم آخر من النجف وهو الشيخ صادق الحكامي النجفي فتعلم عليه الأدب من المعاني والبيان والبديع. عند هذه الحصيلة من المعارف دخل جواد الخابوري مرحلة التثقيف الذاتي لعدم وجود معلم يمكنه أن يرتفع به الى العلوم الرفيعة، كل ماذكر كان مابين سنة 1337 هجري الى سنة 1350 هجري. بعدها وفد الى البلاد عالم جليل تقي ورع، صوفي عرفاني وهو السيد حسن أسد الله الموسوي فكان ذلك بمثابة حظ نزل بساحة جواد الخابوري، فمال كل منهما الى الآخر ميل الأحبة وأصدقاء الفكر والمباديء، فتتلمذ عليه وتعلم المنطق والفلسفة والتصوف وركز على كتاب الميزان للغزالي ومنظومة السبزواري والاشارات في الالهيات لابن سينا وغيرها من كتب المعرفة الرفيعة والفكر المجرد. لكون الله سبحانه وتعالى قد حبا جوادا عقلا وقادا وبصيرة نافذة وحبا جما للاستطلاع وعشقا لسبر أعماق الفكر بحثا عن الحقيقة، وأمام تلك المحصلة من المعرفة أخذ عقله يتساءل في العديد من القضايا الفكرية ممتطيا جواد الشك والمؤدي الى اليقين، فبدأ يدرس دراسة العقائد المقارنة التي قادته الى اللاأدرية (1).

وكان العلامة السيد حسن يراقبه لاخوفا عليه لأنه كان متيقنا بأن من سلك طريقا سلكه جواد الخابوري لابد أن يصل الى الحقيقة الناصعة فطلب منه أن يجاري الشاعر ايليا أبو ماضي في طلاسمه (لست أدري) فنظم جواد قصيدة منها هذه الأبيات:

ها هو الكون الى أين يسير *** جاء من أين الى ماذا يصير
يدهش العقل وذا الداعي خطير *** حق من قال بأني لست أدري
بلبل الوهم وطير الفلسفة *** بين أدواح الهدى والوسوسة
كم بك السير انتهى في المعرفة *** هل بلغت الأيك أبدا لست أدري
***
أترى ماذا لرسطو خطرا *** حين في الكون أجال البصرا
أترى الحق له قد ظهرا *** أم ترى قال الهدى في لست أدري
***
ولأفلاط الذي قد جادلا *** وقضى العمر يحل المشكلا
أي شيء بان مما جهلا *** غير حق القول أني لست أدري
... الى آخره..... .

في هذه الأثناء ومع افتقار ساحة المجتمع الى المؤسسات العلمية رأى جواد وجوب عمل شيء لتعليم الناشئة فأنشأ مدرسته الأولى لتعليم مريدي اللغة العربية والانجليزية ومباديء العلوم التي أتت عليه بموجة عارمة من الغضب والاستنكار من اولياء أمور الطلبة خاصة تلك المباديء التي قلبت مفاهيمهم المتوارثة عن الثور الذي يحمل الأرض وتتبادل قرنيه حملها سنة بعد سنة يوم 21 مارس (النوروز) وغيرها من مفاهيم عصر الانحطاط العربية فحملوا عليه مستهجنين مستنكرين رامينه بالالحاد والكفر والدهرية والزندقة، ولكنه لم يستكن لايمانه بقضيته التغييرية وما لهذا التغيير من سعادة مادية ورفعة معنوية، فصمد مدافعا عن العلوم معلما الناشئة بها، وعندما وصل الأمر بمعارضيه الى حد لايطاق، ينبري لهم بهجائه المر الحارق فيسكت خصمه من استهجائه وجها لوجه، فهجاؤه لايقل وخزا وضراوة عن هجاء الفرزدق أو جرير ان لم يكن أكثر تأثيرا، وذلك دفاعا عن النفس.

في هذه المعمعة الآتية من مقاومة المجتمع للجديد الذي أخذ جواد الخابوري ينشره نصحه السيد حسن الموسوي أن يذهب للنجف ويقعد لأداء الامتحان في العلوم التي أكتسبها، خاصة الفلسفة، وهيأ له ذلك بمعهد الشيخ العلامة محمد حسين آل كاشف الغطاء المعروف، ولكنه لآرائه اللاأدرية، لم يقدر أن يستمر الى امد طويل فاصطدم فكره هذا بالفكر الديني التسليمي مع بعض رجال الدين، فهرب منها الى البصرة ثم الى البلاد، أي عمان، وفي البصرة أرسل اليه الشيخ آل كاشف الغطاء شهادته بدرجة (فاضل الفلسفة).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اللاأدرية مذهب فلسفي معروف، وقد ذهب اليه هكسلي بأنه مذهب يحدد قدرات العقل في الحكم على الأمور حيث يتعذر عليه الحكم على المطلق والغيب المطلق. وينحو أصحابه منحى عدم التوريط في الأحكام الا بعد التاكد، لذا يغلب على أبحاثهم واحاديثهم التعبير اللاأدري فسموا بلاأدرية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق