الخميس، ٧ يناير ٢٠١٦

التشدد الديني

تفرض وقائع التشدد الديني والعنف المصاحب له مسؤولية جسيمة على كل من يشعر بها للمساهمة في التخفيف من حدتها وإنتشارها، فبالرغم من كل ظروف الإنفتاح على الآخر التي لم يشهد مثلها تاريخ البشر نجد أن البعض ما زال لا يرى أبعد من مد بصره.

يحاول الكثيرون ربط التشدد الديني بالفشل السياسي في المنطقة العربية والإسلامية، وتحديدا فشل الحكومات في إستيعاب طاقات الشعوب عبر فتح باب المشاركة النزيهة في نظام الحكم أو اتخاذ القرارات. من وجهة نظري هذا نوع من المبالغة، فصحيح أن الحكومات في المنطقة فشلت أو ربما لا تريد من الأساس أن يشاركها أحد، ولكن هذا ليس كاف بحد ذاته لتفسير ما نشاهده على أرض الواقع. إن أقصى ما يمكن حصوله – من وجهة نظري – كرد فعل على فشل الحكومات هو الثورة عليها هي تحديدا أو النضال ضدها سواء بشكل سلمي أو غير سلمي، ولكن ما نشاهده هو تشدد وعنف لا يعرف حدود الأوطان ولا إنسانية الإنسان. هو توجهٌ عابر للقارات والمحيطات وحدود الدول. إذن المشكلة أعمق من مجرد كونها نابعة من فشل سياسي.

يا ترى لماذا معظم الإرهابيين اليوم يدّعون الإنتماء للإسلام؟ ولماذا معظمهم يحملون جنسيات دول متشددة في التعليم الديني؟ وما دخل قتل المسلمين والناطقين بالشهادتين إذا كان كل هذا العنف نتاج الإحساس بالظلم والقهر من الأجنبي الظالم والمستبد؟
عندما نربي أجيالنا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر على يقينيات مطلقة لا تقبل السؤال، وعندما نربيهم على أن من واجبهم دعوة الناس لدين الله الواحد الأوحد وكأنهم سفراء الله للناس، أي أن نوجه إهتماماتهم إلى الآخرين أكثر من أنفسهم، فإننا نزرع فيهم بذور العنف والتشدد سواء درينا بذلك أو لم ندرِ.


ينقل عن ريتشارد دوكنز: “نعم هناك كاثيليكيون مسالمون ولكنهم أولئك الذين لا يأخذون دينهم على محمل الجد”. الأشخاص الذي يحملون أفكارا ويقينيات مطلقة عن معتقداتهم الدينية وضرورة نشرها وتعميمها، أي يحملونها على محمل الجد، يحملون في داخلهم إستعدادا – قد يكون لم يتجلى واقعا بعد – لإتخاذ مواقف عنيفة ضد من يرون أنه يعيقهم ولو بكلمة، وطبعا هذا الكلام ينبغي أن لا يقتصر على المعتقدات الدينية فقط بل كل ما شابهها في الإنغلاق والإطلاق.

تشتهر السلطنة بسلمية أهلها وطيبتهم وتسامح المذاهب فيها، وهو أمر قد يكون مبالغا فيه واقعا، لأن التسامح الدائم والواعي لا يمكن تحققه بين أطراف تعتبر نفسها جماعات مستقلة يحكمها ويوحدها نظام شديد المركزية. إذ أن أدنى تدخل من هذه الجماعات في إتخاذ القرارات بإمكانه أن يكشف وهم التسامح، لأن الناس إذا كانت متسامحة بوعي، أي واعية بحقيقة وضرورة الإختلافات الفكرية والثقافية، فهي ستكون متسامحة مع كل أنواع الإختلاف ولن تحصر نفسها في تسامح المذاهب الدينية، بتعبير آخر ستكون متسامحة مع أصحاب الفكر العلماني واللاديني أيضا، ولكننا نشاهد عكس ذلك تماما. أضف إلى ذلك العوائق التي ما زالت موجودة بين المذاهب الدينية نفسها وتظهر في حالات مثل الزواج من خارج المذهب.

الواقع أن ظاهرة التسامح الديني في عمان في أحسن أحوالها هي من نوع “لا أتعرض لك ولا تتعرض لي”، وهذا النوع من التسامح تسامحٌ مؤقت وزائف، والأخطر أنه ليس نتاج مراحل من الصراع الطائفي المتعادل الذي تقتنع الأطراف في نهايته أن لا جدوى من الصراع لعدم قابلية أي فريق لأن ينتصر على الآخر. إذن هو تسامح – بالإضافة إلى كونه زائف في حقيقته – قفز على طبيعته التي يحددها التاريخ. إنه تسامح ما قبل الصراع.

انتبهت السلطنة إلى أهمية نشر ثقافة التسامح وحق الإختلاف عن طريق التعليم، وجهودها عبرمناهج التدريس في مدارسها ملحوظة ومقدّرة، ولكن هل هذا يكفي؟ هل يكفي أن نعلّم الأجيال التسامح بين المذاهب الدينية فقط دون حقيقة التسامح والإختلاف الأصلية؟ دون تعليمهم أن العالَم أوسع من إختلافات المسلمين وأنه يزخر بأفكار وفلسفات ورؤى متنوعة جدا، وأنه إذا ما أردنا أن نعيش في سلام دائم وحقيقي أن نتعايش مع كل هذه الإختلافات، حتى تلك التي تختلف معنا في الأصول. يجب أن يتعدى التعليم مقولة “باب الإجتهاد في الإسلام مفتوح” لمقولة “باب الإجتهاد في عموم الفكر الإنساني مفتوح”.

شكرا للقراءة
علي داود اللواتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق