الأربعاء، ٢٧ أكتوبر ٢٠١٠

بؤس التشيع - الجزء الثالث


بؤس التشيع - الجزء الثالث
بقلم: علي داود اللواتي

استدراك مهمّ

يقول الدكتور علي الوردي في احدى كتبه: "ان الأمّة التي لا تعرف نقائصها ولا تدرك مكامن الضّعف في نفسها لا يسهل عليها أن تكون قويّة ازاء أعدائها. والعدو الكامن في داخل النفس ربما كان أشدّ خطرا من العدوّ المتربّص لها في الخارج. انّنا اذا ألقينا في روع الأمّة بأنها أمّة كاملة ثم صدّقت الأمّة بما نقول لها، كان ذلك من أسباب الغرور فيها، ولعلّها ستندفع بغرورها بما ينفع الأعداء ويفتح لهم في صفوفها ثغرة ينفذون منها الى الاعتداء عليها مرّة أخرى. لقد ذهب زمان الغرور الأممي والطائفي".

سياسة التخويف والتعطيل

يقول الأستاذ مطهري في مقدمة كتابه (العدل الالهي): "اذا نظرنا الى عصرنا من زاوية الدين والمذهب – خاصة بالنسبة الى طبقة الشباب – وجدناه عصر اضطراب وتردد وتغير. وقد دفع زماننا بسلسلة من الأسئلة والشكوك الى ساحة البحث، وأحيا الأسئلة القديمة والمنسية من جديد وجعلها محورا لمناقشاته. فهل نقابل هذه الشكوك والتساؤلات – التي تبلغ أحيانا حد الافراط – بالأسف والضيق وروح التشاؤم؟.

كلا... اني لا أعتقد أنها تدعو الى الحزن، لأن الشك مقدمة لليقين، والسؤال مقدمة للوصول الى النتيجة، والاضطراب مقدمة للاستقرار. ان الشك لمعبر رائع بقدر ماهو منزل سيء. والاسلام عندما يحث على التفكير وعلى اليقين بهذه الكثرة والكثافة فانه يفهم ضمنا أن حالة البشر الأولى انما هي الشك والتردد، وبواسطة التفكير السليم نستطيع ان نصل الى ساحل اليقين والاطمئنان.

يقول احد المفكرين: (ان فائدة أقوالنا هي أنها تحملك فقط على الشك والتردد لتسير أنت بعد ذلك بواسطة البحث والتحقيق نحو اليقين). صحيح أن الشك ليس فيه استقرار ولا راحة، ولكنه صحيح أيضا أن أي استقرار وراحة أخرى لا تفضل ذلك اللااسقترار وتلك اللاراحة.

فهناك نوعان من الاستقرار: أحدهما أنزل من الشك، والآخر أعلى منه. فالحيوان عندما نقول أنه لا يشك فانه يتمتع بالاستقرار ولكنه من النوع الذي هو ادنى من الشك فضلا عن أنه لم يصل الى مرحلة اليقين. أما المؤمنون من أهل اليقين فهم ينعمون بالاستقرار ولكنه من النوع الثاني الذي هو اعلى درجة من الشك، فهم قد تجاوزوا الشك الى اليقين.

لنضع جانبا أفرادا معدودين مؤيدين من قبل الله، وأما من عداهم من أهل اليقين فهم قد تجاوزوا مرحلة الشك والتردد وانتهى بهم المطاف الى اليقين.

فلا ينبغي لنا اذن أن نرمي عصرنا بتهمة الانحراف والانحطاط لمجرد أن الشكوك تلفه والاضطراب يخيم عليه، لأن هذه الشكوك ليست أفضل منزلة من الاستقرار الساذج.

ولكن الذي يدعو للأسف حقا فهو أن يشك الانسان في شيء ثم لا يدفعه شكه هذا الى التحقيق في ذلك الشيء، أو تتكون شكوك اجتماعية ثم لا تحرك المفكرين لحل تلك المشاكل الاجتماعية في ذلك المجال الذي أثيرت حوله تلك الشكوك
." انتهى.

الشكّ والتردّد والحيرة والتّساؤل حالة طبيعية جدا. والانسان الذي لا يشكّ ولا يتردّد – وخاصّة في مثل هذا الزمن – يعتبر انسانا شاذّا أو متخلّفا ما زال يعيش حياة الفطرة البدائيّة من وجهة نظري. فحتّى هذه الفطرة الالهيّة لم تبقى على حالها وتحوّلت الى مسألة نظريّة تثار حولها الأسئلة والشبهات كما هو معلوم لكل من له اطّلاع في هذا المجال. ولعلّي لن أبالغ اذا قلت بأنه حتى انكار وردّ بعض ثوابت الجماعة صار أمرا طبيعيّا في مثل هذا العصر نظرا لاختلاف وجهات النظر وتعدّد المسالك واختلاف الثقافات وبالتّالي الأطر الفكرية.

ولكن لا يزال البعض يعتبر الشكّ والتردّد أمرا محرّما نجسا ناتج من وساوس ابليس وأعوانه قبّحهم الله، هذا فضلا عن اعتباره لكل من انكر ثوابته وقال بأنه غير مقتنع بها - لاختلاف ثقافته وزاوية نظره - ضالّ مغرور عليه لعائن الله وملائكته ورسله الى يوم يبعثون.

نرى بعضهم – هداهم الله – اذا ما أثيرت مسألة أو شبهة حول شعيرة من الشّعائر أو عقيدة من العقائد يأتون بأحاديث آخر الزمان التي تقول: المتمسّك بدينه في آخر الزمان كماسك الجمر، أو سيأتي زمان على أمتي ينكرون فيه كذا وكذا، وما شابه. يعني يقولون: كونوا صمّا بكما عميا لا تفقهون.

ولعلّهم يعتقدون بأن الانسان يصل الى العقيدة الصحيحة بقفزة واحدة، فالعقيدة عندهم امّا روحية غيبية أو بطّيخ + بطّيخ = 2 بطّيخ. وأنا لا أريد هنا أن أنكر الجوانب الرّوحيّة للعقائد والشعائر، فالانسان كما يحتاج الى الأمور المعقولة يحتاج أيضا الى الأمور الرّوحانيّة والنفسانيّة. الانسان مادّة وروح ومحتاج الى اللغتين: لغة العقل ولغة الروح معا ليستمرّ في الحياة.

ولكن ما أريد أن أوضحه بأن هناك كائن حيّ يسمى (التكامل العقائدي)، والذي يعني أن الانسان يتكامل في عقيدته شيئا فشيئا ويصل الى اليقين حبّة حبّة، وهو قد يستمرّ لأشهر أو لسنوات أو طوال حياته باحثا محقّقا مفحصا، حسب عقليّته وثقافته وبيئته، فهذا الغزالي يستمرّ ستّة أشهر وهذا مصطفى محمود يستمر حوالي ثلاثين سنة.

علينا ان نفهم هذا الأمر جيّدا: ليس كل شاكّ ومتردّد ومرتدّ أبو جهل أو أبو سفيان حتّى نصبّ عليه جام لعناتنا الى يوم يبعثون. فالناس تختلف باختلاف ظروفها وبيئاتها وعقدها النفسيّة والعقليّة.

جاء في احدى اجوبة مركز الأبحاث العقائدية ما يلي: "ولا بد للباحث من سلوك المنهج الصحيح في البحث والنظر، فإذا سلك وصل، وفي فرض عدم الوصول لغفلة عن بعض المقدمات أو قصور في إدراك بعض الحقائق أو إشتباه في سلوك بعض القواعد أي بالمحصل يكون قاصراً لا مقصراً، فهو معذور لا يعاقب، أو يوكل أمره إلى الله حسب اختلاف آراء العلماء حتى لم يحكم بعضهم بكفره إذ قال أنه خلاف العدل الإلهي". وبديهي أن هذا الأمر لا ينحصر بخصوصيات الدين فقط بل يشمل خصوصيات المذهب أيضا.

وجدير بي – في هذا المقام - أن أذكّر القاريء الكريم بمقولة الامام الحسين ع: "ان لم يكن لكم دين كونوا احرارا في دنياكم". يالها من كلمة عظيمة من امام عظيم!. ان الحسين ع يقول ان فئتان لم تكن لتحارباه أو لم تكن لتطيع امثال عبيدالله ويزيد: فئة المتدينين وفئة الأحرار.

يقولون في المنطق: (الوحدة تبطل القسمة). يعني مثلا عندما نقسم الكلمة في اللغة العربية الى: حرف وفعل واسم، فان الفعل غير الاسم والحرف، والاسم غير الحرف والفعل، والفعل غير الاسم والحرف. وعلى هذا في مقولة الامام الحسين ع: المتديّن غير الحر. وأترك السؤال التالي للقاريء الكريم: من هم هؤلاء الاحرار يا ترى؟ أو من هم الذين قصدهم الامام الحسين ع بـ (الأحرار) الذين ليس لهم دين؟

شكرا للقراءة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق