بؤس التشيع
بقلم: علي داود اللواتي
الخمود والجمود
يقول الدكتور علي شريعتي في كتابه (التشيع مسؤولية): "أن يكون المرء شيعيا فهذا يضع على كاهله مسؤولية، أخص من كونه انسانا أو مفكرا او مسلما.. أرض التشيع تنبت المسؤولية. الاسلام بدأ بـ (لا) والتشيع أيضا بدأ بـ (لا): في التشيع مبدأ واحد، وكل مبادئه الأخرى تتشعب من هذا المبدأ.. في رأيي أن تاريخ التشيع وظهور التشيع في الاسلام يبدأ من (لا) هذه!!.. هذا هو أصل الأصول.. لا".
ان التشيع الذي لا يعرف هذا المبدأ ليس هو التشيع الحقيقي. ان هذا المبدأ.. مبدأ (لا) واضح جلي في سيرة الخاتم وأمير المؤمنين ولن أغالي اذا قلت بأنهما عاشا يقولان: (لا). ان النبي محمد جاء يقول لأولئك المترفين الظالمين من قريش وغيرها: (لا)، وجاء بعده الامام علي ليقول لأمثال معاوية: (لا).
مبدأ (لا) هو مبدأ الثوار والمصلحين على مر التاريخ، وقد كان النبي محمد (الثائر العظيم) وتبعه في ذلك تلميذه المخلص علي بن أبي طالب. يكتب الدكتور علي الوردي كلمات جميلة قرأتها عدة مرات في كتابه (مهزلة العقل البشري): "أنا مؤمن بأن محمدا كان أجل وأسمى من ان يكون على طراز جنكيزخان وتيمورلنك. انه كان كما سماه الأستاذ فتحي رضوان (الثائر العظيم) ونحن لا نستطيع أن نفهم ثورته الا اذا درسنا سيرة تلميذه علي بن أبي طالب. فبدراسة هذا التلميذ المخلص، ندرك سر الأستاذ. لقد كان محمد ثائرا، وبقي ثائرا حتى مات. وكذلك كان تلميذه علي بن أبي طالب".
ونحن اذا أردنا ان نضع كلمات مرادفة للتشيع لن نجد أحسن من: الثورة أو الاصلاح. الثورة برأيي يمكن أن نقسمها الى قسمين: ثورة داخلية وثورة خارجية. الثورة الداخلية تساوي اصلاح النفس وتزكيتها والثورة الخارجية تساوي اصلاح المجتمع وحل مشاكله والنهوض به.. والثورة لا تعني العنف بالضرورة.
ولكن البعض نسي كل هذا وألبس كفاح محمد وعلي والحسين ثوب الخمود والجمود، وقلب مبدأ (لا) رأسا على عقب. ولست في حاجة الى أن أشرح قصدي هنا فقد شرحه قبلي من قال: "صار علي بن أبي طالب في نظر هؤلاء مجرد امام أوجب الله حبه على العباد. اما ذلك الكفاح الجبار الذي قام به في سبيل العدالة الاجتماعية فلا أهمية له عندهم"، وصار احياء ثورة الحسين العظيمة مجرد عزاء وبكاء ولطم ومسيرات وقصائد فارغة.
الاستحمار
كان علي بن أبي طالب يقظا جدا مدركا لظروفه ومستلزماتها أدق الادراك. ينقل الشريف الرضي في نهج البلاغة أن أحدا من أصحاب علي سأله عن قضيته مع أبي بكر وعمر وعثمان ولماذا استأثروا بالخلافة دونه وهو أحق بها منهم، فأجاب قائلا: "يا اخا بني أسد… اما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا والأشدون برسول الله نوطا فانها أثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم لله والمعود اليه يوم القيامة. ودع عنك نهبا صيح في حجراته. وهلم الخطب في ابن أبي سفيان فقد أضحكني الدهر بعد ابكائه، ولا غرو والله فيا له خطبا يستفرغ العجب ويكثر الأود، حاول القوم اطفاء نور الله من مصباحه وسد فواره من ينبوعه. وجدحوا بيني وبينهم شربا وبيئا، فان ارتفع عنا وعنهم محن البلوى أحملهم من الحق على محضه، وان تكن الآخرى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ان الله عليم بما يصنعون".
أراد معاوية أن يثير مثل هذه المسائل في ذلك الوقت عن طريق جواسيسه في معسكر علي لينشغلوا بها ويسهل عليه التغلب على الامام، ولكن الامام كان (سيد النباهة) فخفف من شدة قضيته مع أبي بكر وعمر وعثمان وتركها على الله ليحكم فيها بحكمه، وأعطى الأهمية الكبرى لنزاعه مع معاوية بن أبي سفيان. أراد معاية أن (يستحمر) هذا السائل ولكن علي (نبهه).
ان الاستعمار الحديث يختلف عن الاستعمار القديم في أنه لم يعد احتلالا عسكريا. الاستعمار الحديث يستخدم (الاستحمار) بصورة مركزة، فهو يحاول ان يصدر الى (مستعمراته الحديثة) كل ما يمكن أن يشغل أهلها عن الدراية الفردية (أو النباهة الفردية) والدراية الاجتماعية (أو النباهة الاجتماعية)، فيغفلون عن احتياجاتهم الانسانية الفردية والجماعية كالحمير.
يعرف علي شريعتي النباهة الفردية بقوله: "هي النباهة النفسية التي تدفع الفرد لأن يرى نفسه كل حين"، والنباهة الاجتماعية: "الوعي الجماعي لدى الشعوب واحساسها بمصيرها وحضارتها وتاريخها وتملكها له لاستشراف المستقبل".
الفرد في جماعة الحمير هذه ليس بالضروة جاهل أو أمي بل يمكن ان يكون معلما أو مهندسا او طبيبا أو فيلسوفا أو عالم دين.
لقد تمكن المستعمرون من ضمائر بعضهم فأخذوا يستحمرون أتباعهم عن طريقهم، والبعض يخدم المستعمر وهو لايدري، تماما كما وصفه الأمير: "أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح".
يقول الشيخ حسن الصفار في خطبته التي جاءت بعنوان (الخطاب الاسلامي مشكلة ام حل؟): "فهل يدرك هؤلاء المنتجون لهذا الخطاب مآلات وآثار خطابهم؟ إن بعضهم ينطلق من سوء فهم وقصر نظر، فهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وبعض الخطباء لا بضاعة لهم غير هذه الحكايات التي حفظوها وألفوا طرحها ولا يجدون ولا يجيدون غيرها. والبعض الآخر تدفعه الأغراض والمصالح، فيدغدغ مشاعر الجمهور بهذه الطروحات، لكسب الشعبية والنفوذ، وتحقيق المآرب الشخصية. وهناك من ينطلق في خطابه الطائفي من أجندة سياسية، لتحصيل موقع سياسي، أو خدمة حزب أو فئة، أو لكونه مدفوعاً من جهة سياسية في الداخل أو من الخارج، لها مصلحة في اثارة الخلاف واشعال الفتنة".
حلم المدينة الفاضلة
هذا الحلم ليس خاص بالشيعة فكل المسلمين يحلمون هذا الحلم: حلم تأسيس (المدينة الفاضلة)، ولعله أقرب الى قلوب الشيعة على وجه الخصوص وذلك لارتباطهم الشديد بقضية (مهدي آخر الزمان)، فهم يحلمون هذا الحلم أكثر من غيرهم ويحاولون أن يؤسسوا ولو مدينة فاضلة واحدة تمهيدا لظهور المهدي، وهم في ذلك مجتهدون ومخلصون جدا.
يقول الدكتور علي الوردي: للفيلسوف العربي المعروف أبو نصر الفارابي كتاب معروف سماه: (آراء المدينة الفاضلة)، الذي هو كتاب رائع وجميل جدا يصف لك كيف يمكن تأسيس هذه المدينة وكيف يكون حاكمها وكيف تكون رعيتها.. كلام رائع حقا، لكن فيه عيب واحد: هو انه مستحيل لا يمكن تحقيقه بين هؤلاء البشر الذين هم من أبناء آدم وحواء.
ان التجربة الطويلة في التاريخ البشري اجبرت علماء الاجتماع في العصر الحديث ليقولوا أنه لا يمكن تأسيس مدينة ليست فيها اختلافات وكل سكانها فضلاء عقلاء، ولعل الذي تابع مسلسل (يوسف الصديق) لاحظ أن تأسيس الحكومة الالهية في ذاك الجزء من الأرض لم يكن بتحويل كل الناس الى فضلاء وعقلاء، فقد بقيت طبيعة الظالمين على ظلمها، كل ما في الأمر أنها أجبرت على الخضوع والكبت، وكذلك المتتبع لتاريخ صدر الاسلام يرى كيف ان الأوس والخزرج تنازعا في حضرة النبي الخاتم رغم اسلامهما، فقد اخمد الاسلام الحروب بينهما ولكن الحقائد والضغائن لم تعدم، وكانت تخرج بين فترة وفترة.
اننا لا يمكن أن نعدم الاختلافات في مجتمعاتنا، فالاختلاف من طبيعة البشر، نعم يمكن ان نحول هذا الاختلاف الى اختلاف هاديء وأبيض، وذلك باعترافنا بحق الاختلاف واعطاء كل طرف الحق في ابداء رأيه ووجهة نظره.
ان العصر الذي نعيش فيه أبوابه مفتوحة بل لنقل لا أبواب له. هل يمكننا في مثل هذا العصر أن نؤسس مجتمعا ليست فيه سلبيات؟ يقول البعض: "خذوا الايجابيات واتركوا السلبيات"، ولكنهم لا يوضّحون كيف. مثلهم كمثل الفأر الذي اقترح على جماعة الفئران ان يعلقوا جرسا في رقبة القط حتى يسمعوه اذا هاجمهم. انه اقتراح رائع لا ريب فيه. ولكن المشكلة: كيف؟. لا يكفي في الفكرة أن تكون جميلة ورائعة في حد ذاتها بل يجب ان تكون عملية قبل كل شيء. اني أرى أن ايجابيات وسلبيات أي حضارة تأتي معها، فاذا استعملنا سياراتهم وأقمارهم الصناعية وادويتهم لا بد أن تأتي الحوادث الناتجة من التهور في القيادة ولا بد أن تأتي قنوات الأغاني والمسلسلات التركية والمكسيكية.
علينا ان ننزل من أبراجنا التي ترتفع كثيرا عن سطح الأرض، ولا نحصر السلبيات بين الوجود والعدم، فاما ان توجد واما ان تعدم. لنتعامل معها على أساس انها حتمية لحتمية دخول الحضارة الغربية في مجتمعاتنا وأنها موجودة في كل المجتمعات بنسب متفاوتة، فنعمل على تقليل هذه النسبة.
أبطال الديجيتال
لا يخفى على أحد الأوضاع السيئة التي كانت تغرق فيها المجتمعات الشيعية قبل انتصار الثورة الاسلامية الايرانية وكيف أن هذه الثورة عملت انقلابا بدرجة 180 في حياة الشيعة المعاصرين لها.
ان المتتبع لأحداث هذه الثورة يرى بوضوح أنها كانت حركة اصلاحية عامة شاملة، ولم تكن مجرد: تعال.. نثور.. ياحسين!. ان دروس الامام الخميني في الأخلاق والعرفان والفلسفة وأفكار الشهيد مرتضى المطهري والشهيد محمد الحسيني البهشتي والشهيد علي شريعتي وغيرهم كانت أسس هذه الثورة.
ونظام (الجمهورية الاسلامية) لم يقم الا بعد ان طرحت كل التيارات الايرانية آرائها وأفكارها على الجمهور الايراني - ومن هذه التيارات ما كان مخالفا للتوجهات الدينية بشكل كامل كالشيوعية والماركسية، حتى أن الكتاب الأخضر للزعيم الليبي معمر القذافي كان يباع في شوارع طهران - ودخل الشهيدان مرتضى المطهري والبهشتي في مناضرات ونقاشات تلفزيونية لتوضيح مفهوم (الجمهورية الاسلامية) أو (الحكومة الاسلامية). والظاهر أنه حتى من دون هذه العملية كان أغلبية الثوار سيختارون نظام (الحكومة الاسلامية)، فالثورة كانت ذو طابع ديني منذ قيامها ودوافعها كانت دينية أسستها الأفكار والدروس التي ذكرتها. ولعل هذه العملية وهذا التوضيح والنقاش الهاديء زاد من مؤيدي قيام (الجمهورية الاسلامية)، فقد بلغت نسبة الموافقة عليها 98% من مجموع الشعب، وهي نسبة مدهشة حقا!.
نعود فنقول ان هذه الثورة قلبت حياة الكثير من المجتمعات الشيعية ونورتها وحررتها من الخرافات وضيق الأفق، الى ان وصلت هذه المجتمعات في عصرنا الحالي تزخر بعدد محترم من المثقفين والمفكرين الشيعة، ولعل أكثر هذه المجتمعات كانت من المجتمعات الغنية التي وصلتها المفاهيم التصحيحية والأسس التي ولدتها في وقت واحد أو بالتدريج السريع - المهم انها وصلت. ولكن هناك مجتمعات لم تصلها هذه المفاهيم الا في وقت متأخر أو لم يستوعبها أهلها بالشكل الصحيح الا بعد فترة طويلة. أما الأسس فما زالت كلها او غالبيتها في الطريق حتى الآن. ولذلك فان هذه المفاهيم رغم أنها سليمة الا انها لا تؤتي ثمارها ونجد كل شخبوط وخربوط في مثل هذه المجتمعات يستخدم مفاهيم الاصلاح والعدالة والحرية والحق والباطل واحياء الدين. ان استخدام المفاهيم المعلقة في الهواء من دون حبل يربطها بالأرض لا يناسب الا (أبطال الديجيتال).
الوحدة المزيفة
منذ زمن الاستعمار والاحتلال ومفكرينا يتكلمون عن الوحدة الاسلامية والتعاون الاسلامي ووحدة الهدف وما الى ذلك من مفاهيم ومصطلحات كلنا على علم بها.
البعض يسئ فهم معنى هذه الوحدة. بل الكثيرون يسيئون فهم معنى هذه الوحدة.
الوحدة التي نطالب بها يا جماعة الخير ونسعى اليها هي وحدة الجبهة لا وحدة الحزب. هناك الكثير من المشتركات بين الطوائف الاسلامية يمكن التعاون على أساسها والوقوف على اساسها صفا واحدا في جبهة واحدة ضد أي استعمار أو استيطان من أي نوع.
نحن لا نطالب بوحدة الحزب التي تعني وحدة جميع الأفكار والتوجهات. أفكارنا قد تختلف عن أفكارهم ونظامنا قد يختلف عن نظامهم وتوجهاتنا قد تختلف عن توجهاتهم. هناك امور عقائدية لا يمكننا ان نتنازل عنها. ولا نطالبهم بالتنازل عن عقائدهم وثوابتهم..!!
هذا هو المفهوم الصحيح للوحدة.. وحدة الجبهة.. هذه هي الوحدة التي نرجو أن نحققها.. هذه الوحدة يجب ان تكون ليس فقط بين المسلم الشيعي والمسلم السني.. هذه الوحدة يجب أن تكون بين كل انسان وانسان طالما أن هناك اهداف انسانية مشتركة ومصالح انسانية مشتركة. هذه الوحدة يجب ان تتوفر لبناء حضارة انسانية مشتركة.
أذكر في أيام المدرسة كنا خرجنا أنا وزملائي من المذهب الاباضي وبعضهم من خلص أصدقائي بصحبة أحد المعلمين الشيعة لمسابقة طلابية مزيفة تنشر عبر اذاعتنا رضي الله عنها. دارت بيننا أحاديث كثيرة. التقطت من بين كلمات معلمنا الفاضل وهو يتكلم من منطلق الوحدة الاسلامية كأنه يدعي أنه على الحق المطلق الذي لا حق بعده وان على الجميع ان يتشيعوا. فهو لا يفهم الوحدة الا بمعنى أن يتشيع الجميع ويذهبوا للمأتم ويعزوا أهل البيت عليهم السلام بمصاب الحسين عليه صلوات ربي وتسليماته.!!
معلمنا الفاضل وغيره من الأفاضل يفهمون هذه الوحدة فقط ولذلك فان اختلاطهم وتفاعلهم مع المنتمين لغير ما يدعون اليه كله مليء بالنفاق والكلام المزيف.. فهم يظهرون انهم لا يفرقون بين الشيعي والسني ولكنهم في داخلهم سواء من حيث يشعرون أو لا يشعرون يريدون أن يشيعوا كل شخص.. فهم لا يطلبون الوحدة من أجل الوحدة بل الوحدة عندهم صارت دعوة مقصودة الى التشيع. تراهم ينتهزون الفرص ليطرحوا كل ما يمكن ان يشيع الطرف المقابل.. وليت شعري اي تشيع يدعون اليه؟!!
نحن لا نحتاج الى وحدة مزيفة لنشيع الآخرين. ان الوحدة الحقيقية الفعلية التي ندعو اليها.. وحدة الجبهة.. هي وسيلة اوتوماتيكية لاقصدية للدعوة الى التشيع. هي وسيلة العصر الحديث للدعوة الى التشيع. بل الى أي مذهب او نظام او توجه.
ان العصر الذي نعيش فيه يفرض علينا دعوة من نوع آخر. انها دعوة بالتقدم والعلم. دعوة بالنتائج العملية. دعوة بالتطبيق الناجح. دعوة ببناء حضارة ومدنية عظيمة.
ان منطق العصر يقول: كل نظام ناجح وكل حضارة تنتج أقل نسبة ممكنة من السلبيات هي الحضارة الحقة وهو النظام الحق.. وهو المذهب الحق.
التقديس الجاهلي
في صغري كنت اتابع مسلسلا باللغة الأردوية اسمه (بيربل.. اكبر). هذان شخصان (بيربل) و(أكبر). (أكبر) هو الامبراطور المغولي الهندي جلال الدين محمد اكبر ولعل الذي شاهد الفيلم الهندي المشهور المدبلج على قناة (أم بي سي) (جودا أكبر) يعرفه.. و(بيربل) هو مشتشاره الذكي الحذق الذي كان يشبه في عبقريته الى حد كبير محققنا الكرتوني (كونن).
كنت أستغرب كثيرا من النداء الذي كان يرفع عندما كان هذا الامبراطور يدخل الى القاعة التي يجتمع فيها الوزراء وأصحاب المسائل والحاجات.. (الآن سيدخل ظل الله في الأرض الى القاعة).
هذا التقديس تقديس جاهلي، وهو منتشر بين بعض الشيعة في خصوص الأئمة. ان ايماننا بأئمتنا وتقديسنا لهم اذا قام على اساس فهم مقام الامامة وماهيتها وحدودها والاقتناع بها فهو عقلاني وعقلائي بلا ريب. وأنا لا أعني بالتقديس الجاهلي هذا التقديس والعياذ بالله.
ان التقديس الذي أعنيه هو تقديس الذين يتصورون أهل البيت والأئمة عليهم صلوات ربي وتسليماته كما كان الهنود يتصورون جلال الدين محمد أكبر او كما كان الأوروبيون يتصورون حكامهم في القرون الوسطى.
ان التقديس الجاهلي الذي أعنيه هو تقديس الرعية الجاهلة لملوكها. فكما ان الملك نصّب نفسه بنفسه ملكا على الشعب كذلك نصب المولى جلت أسماؤه اهل البيت أئمة على الناس. وكما ان على الرعيّة أن تتبع الملك كذلك على الناس ان يتبعوا اهل البيت. وهذا التقديس الجاهلي الفارغ يظهر بوضوح في خصوص مراجعنا العظام أيضا. فلو انتقد زيد من الناس أحد مراجعنا بطريقة مهذبة او طرح تساؤلا في شأن من شؤونهم ثارت ثائرة الموالين بارك الله فيهم واعتبروا النقد تعديا وخطا أحمرا. انهم لا يفهمون لماذا يقلدون ومن يقلدون. لقد نشأوا على التقليد في كل شيء. وربما يبقون طوال حياتهم مقلدين في كل شيء.
والبعض يدخل في هذا التقديس رب العالمين أيضا. فهو يتصور الاله كأحد الملوك من القرون الوسطى.. يملك قائمة لـ1286 امرا لا يريدك ان تقوم بها وقائمة أخرى لـ2497 أمرا يريدك ان تقوم بها.. وهذا التصور يمكن لمسه بوضوح في دعوتهم الى الاسلام فتراهم لا يتكلمون الا عن العذاب والنار والزبانية وغضب الرب.. الخ.
شكرا للقراءة
* هذه المقالة مستلهمة من كتب الدكتور علي الوردي و قد تكون بعض العبارات المستخدمة (عن غير قصد) موجودة فيها.
بقلم: علي داود اللواتي
الخمود والجمود
يقول الدكتور علي شريعتي في كتابه (التشيع مسؤولية): "أن يكون المرء شيعيا فهذا يضع على كاهله مسؤولية، أخص من كونه انسانا أو مفكرا او مسلما.. أرض التشيع تنبت المسؤولية. الاسلام بدأ بـ (لا) والتشيع أيضا بدأ بـ (لا): في التشيع مبدأ واحد، وكل مبادئه الأخرى تتشعب من هذا المبدأ.. في رأيي أن تاريخ التشيع وظهور التشيع في الاسلام يبدأ من (لا) هذه!!.. هذا هو أصل الأصول.. لا".
ان التشيع الذي لا يعرف هذا المبدأ ليس هو التشيع الحقيقي. ان هذا المبدأ.. مبدأ (لا) واضح جلي في سيرة الخاتم وأمير المؤمنين ولن أغالي اذا قلت بأنهما عاشا يقولان: (لا). ان النبي محمد جاء يقول لأولئك المترفين الظالمين من قريش وغيرها: (لا)، وجاء بعده الامام علي ليقول لأمثال معاوية: (لا).
مبدأ (لا) هو مبدأ الثوار والمصلحين على مر التاريخ، وقد كان النبي محمد (الثائر العظيم) وتبعه في ذلك تلميذه المخلص علي بن أبي طالب. يكتب الدكتور علي الوردي كلمات جميلة قرأتها عدة مرات في كتابه (مهزلة العقل البشري): "أنا مؤمن بأن محمدا كان أجل وأسمى من ان يكون على طراز جنكيزخان وتيمورلنك. انه كان كما سماه الأستاذ فتحي رضوان (الثائر العظيم) ونحن لا نستطيع أن نفهم ثورته الا اذا درسنا سيرة تلميذه علي بن أبي طالب. فبدراسة هذا التلميذ المخلص، ندرك سر الأستاذ. لقد كان محمد ثائرا، وبقي ثائرا حتى مات. وكذلك كان تلميذه علي بن أبي طالب".
ونحن اذا أردنا ان نضع كلمات مرادفة للتشيع لن نجد أحسن من: الثورة أو الاصلاح. الثورة برأيي يمكن أن نقسمها الى قسمين: ثورة داخلية وثورة خارجية. الثورة الداخلية تساوي اصلاح النفس وتزكيتها والثورة الخارجية تساوي اصلاح المجتمع وحل مشاكله والنهوض به.. والثورة لا تعني العنف بالضرورة.
ولكن البعض نسي كل هذا وألبس كفاح محمد وعلي والحسين ثوب الخمود والجمود، وقلب مبدأ (لا) رأسا على عقب. ولست في حاجة الى أن أشرح قصدي هنا فقد شرحه قبلي من قال: "صار علي بن أبي طالب في نظر هؤلاء مجرد امام أوجب الله حبه على العباد. اما ذلك الكفاح الجبار الذي قام به في سبيل العدالة الاجتماعية فلا أهمية له عندهم"، وصار احياء ثورة الحسين العظيمة مجرد عزاء وبكاء ولطم ومسيرات وقصائد فارغة.
الاستحمار
كان علي بن أبي طالب يقظا جدا مدركا لظروفه ومستلزماتها أدق الادراك. ينقل الشريف الرضي في نهج البلاغة أن أحدا من أصحاب علي سأله عن قضيته مع أبي بكر وعمر وعثمان ولماذا استأثروا بالخلافة دونه وهو أحق بها منهم، فأجاب قائلا: "يا اخا بني أسد… اما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا والأشدون برسول الله نوطا فانها أثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم لله والمعود اليه يوم القيامة. ودع عنك نهبا صيح في حجراته. وهلم الخطب في ابن أبي سفيان فقد أضحكني الدهر بعد ابكائه، ولا غرو والله فيا له خطبا يستفرغ العجب ويكثر الأود، حاول القوم اطفاء نور الله من مصباحه وسد فواره من ينبوعه. وجدحوا بيني وبينهم شربا وبيئا، فان ارتفع عنا وعنهم محن البلوى أحملهم من الحق على محضه، وان تكن الآخرى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ان الله عليم بما يصنعون".
أراد معاوية أن يثير مثل هذه المسائل في ذلك الوقت عن طريق جواسيسه في معسكر علي لينشغلوا بها ويسهل عليه التغلب على الامام، ولكن الامام كان (سيد النباهة) فخفف من شدة قضيته مع أبي بكر وعمر وعثمان وتركها على الله ليحكم فيها بحكمه، وأعطى الأهمية الكبرى لنزاعه مع معاوية بن أبي سفيان. أراد معاية أن (يستحمر) هذا السائل ولكن علي (نبهه).
ان الاستعمار الحديث يختلف عن الاستعمار القديم في أنه لم يعد احتلالا عسكريا. الاستعمار الحديث يستخدم (الاستحمار) بصورة مركزة، فهو يحاول ان يصدر الى (مستعمراته الحديثة) كل ما يمكن أن يشغل أهلها عن الدراية الفردية (أو النباهة الفردية) والدراية الاجتماعية (أو النباهة الاجتماعية)، فيغفلون عن احتياجاتهم الانسانية الفردية والجماعية كالحمير.
يعرف علي شريعتي النباهة الفردية بقوله: "هي النباهة النفسية التي تدفع الفرد لأن يرى نفسه كل حين"، والنباهة الاجتماعية: "الوعي الجماعي لدى الشعوب واحساسها بمصيرها وحضارتها وتاريخها وتملكها له لاستشراف المستقبل".
الفرد في جماعة الحمير هذه ليس بالضروة جاهل أو أمي بل يمكن ان يكون معلما أو مهندسا او طبيبا أو فيلسوفا أو عالم دين.
لقد تمكن المستعمرون من ضمائر بعضهم فأخذوا يستحمرون أتباعهم عن طريقهم، والبعض يخدم المستعمر وهو لايدري، تماما كما وصفه الأمير: "أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح".
يقول الشيخ حسن الصفار في خطبته التي جاءت بعنوان (الخطاب الاسلامي مشكلة ام حل؟): "فهل يدرك هؤلاء المنتجون لهذا الخطاب مآلات وآثار خطابهم؟ إن بعضهم ينطلق من سوء فهم وقصر نظر، فهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وبعض الخطباء لا بضاعة لهم غير هذه الحكايات التي حفظوها وألفوا طرحها ولا يجدون ولا يجيدون غيرها. والبعض الآخر تدفعه الأغراض والمصالح، فيدغدغ مشاعر الجمهور بهذه الطروحات، لكسب الشعبية والنفوذ، وتحقيق المآرب الشخصية. وهناك من ينطلق في خطابه الطائفي من أجندة سياسية، لتحصيل موقع سياسي، أو خدمة حزب أو فئة، أو لكونه مدفوعاً من جهة سياسية في الداخل أو من الخارج، لها مصلحة في اثارة الخلاف واشعال الفتنة".
حلم المدينة الفاضلة
هذا الحلم ليس خاص بالشيعة فكل المسلمين يحلمون هذا الحلم: حلم تأسيس (المدينة الفاضلة)، ولعله أقرب الى قلوب الشيعة على وجه الخصوص وذلك لارتباطهم الشديد بقضية (مهدي آخر الزمان)، فهم يحلمون هذا الحلم أكثر من غيرهم ويحاولون أن يؤسسوا ولو مدينة فاضلة واحدة تمهيدا لظهور المهدي، وهم في ذلك مجتهدون ومخلصون جدا.
يقول الدكتور علي الوردي: للفيلسوف العربي المعروف أبو نصر الفارابي كتاب معروف سماه: (آراء المدينة الفاضلة)، الذي هو كتاب رائع وجميل جدا يصف لك كيف يمكن تأسيس هذه المدينة وكيف يكون حاكمها وكيف تكون رعيتها.. كلام رائع حقا، لكن فيه عيب واحد: هو انه مستحيل لا يمكن تحقيقه بين هؤلاء البشر الذين هم من أبناء آدم وحواء.
ان التجربة الطويلة في التاريخ البشري اجبرت علماء الاجتماع في العصر الحديث ليقولوا أنه لا يمكن تأسيس مدينة ليست فيها اختلافات وكل سكانها فضلاء عقلاء، ولعل الذي تابع مسلسل (يوسف الصديق) لاحظ أن تأسيس الحكومة الالهية في ذاك الجزء من الأرض لم يكن بتحويل كل الناس الى فضلاء وعقلاء، فقد بقيت طبيعة الظالمين على ظلمها، كل ما في الأمر أنها أجبرت على الخضوع والكبت، وكذلك المتتبع لتاريخ صدر الاسلام يرى كيف ان الأوس والخزرج تنازعا في حضرة النبي الخاتم رغم اسلامهما، فقد اخمد الاسلام الحروب بينهما ولكن الحقائد والضغائن لم تعدم، وكانت تخرج بين فترة وفترة.
اننا لا يمكن أن نعدم الاختلافات في مجتمعاتنا، فالاختلاف من طبيعة البشر، نعم يمكن ان نحول هذا الاختلاف الى اختلاف هاديء وأبيض، وذلك باعترافنا بحق الاختلاف واعطاء كل طرف الحق في ابداء رأيه ووجهة نظره.
ان العصر الذي نعيش فيه أبوابه مفتوحة بل لنقل لا أبواب له. هل يمكننا في مثل هذا العصر أن نؤسس مجتمعا ليست فيه سلبيات؟ يقول البعض: "خذوا الايجابيات واتركوا السلبيات"، ولكنهم لا يوضّحون كيف. مثلهم كمثل الفأر الذي اقترح على جماعة الفئران ان يعلقوا جرسا في رقبة القط حتى يسمعوه اذا هاجمهم. انه اقتراح رائع لا ريب فيه. ولكن المشكلة: كيف؟. لا يكفي في الفكرة أن تكون جميلة ورائعة في حد ذاتها بل يجب ان تكون عملية قبل كل شيء. اني أرى أن ايجابيات وسلبيات أي حضارة تأتي معها، فاذا استعملنا سياراتهم وأقمارهم الصناعية وادويتهم لا بد أن تأتي الحوادث الناتجة من التهور في القيادة ولا بد أن تأتي قنوات الأغاني والمسلسلات التركية والمكسيكية.
علينا ان ننزل من أبراجنا التي ترتفع كثيرا عن سطح الأرض، ولا نحصر السلبيات بين الوجود والعدم، فاما ان توجد واما ان تعدم. لنتعامل معها على أساس انها حتمية لحتمية دخول الحضارة الغربية في مجتمعاتنا وأنها موجودة في كل المجتمعات بنسب متفاوتة، فنعمل على تقليل هذه النسبة.
أبطال الديجيتال
لا يخفى على أحد الأوضاع السيئة التي كانت تغرق فيها المجتمعات الشيعية قبل انتصار الثورة الاسلامية الايرانية وكيف أن هذه الثورة عملت انقلابا بدرجة 180 في حياة الشيعة المعاصرين لها.
ان المتتبع لأحداث هذه الثورة يرى بوضوح أنها كانت حركة اصلاحية عامة شاملة، ولم تكن مجرد: تعال.. نثور.. ياحسين!. ان دروس الامام الخميني في الأخلاق والعرفان والفلسفة وأفكار الشهيد مرتضى المطهري والشهيد محمد الحسيني البهشتي والشهيد علي شريعتي وغيرهم كانت أسس هذه الثورة.
ونظام (الجمهورية الاسلامية) لم يقم الا بعد ان طرحت كل التيارات الايرانية آرائها وأفكارها على الجمهور الايراني - ومن هذه التيارات ما كان مخالفا للتوجهات الدينية بشكل كامل كالشيوعية والماركسية، حتى أن الكتاب الأخضر للزعيم الليبي معمر القذافي كان يباع في شوارع طهران - ودخل الشهيدان مرتضى المطهري والبهشتي في مناضرات ونقاشات تلفزيونية لتوضيح مفهوم (الجمهورية الاسلامية) أو (الحكومة الاسلامية). والظاهر أنه حتى من دون هذه العملية كان أغلبية الثوار سيختارون نظام (الحكومة الاسلامية)، فالثورة كانت ذو طابع ديني منذ قيامها ودوافعها كانت دينية أسستها الأفكار والدروس التي ذكرتها. ولعل هذه العملية وهذا التوضيح والنقاش الهاديء زاد من مؤيدي قيام (الجمهورية الاسلامية)، فقد بلغت نسبة الموافقة عليها 98% من مجموع الشعب، وهي نسبة مدهشة حقا!.
نعود فنقول ان هذه الثورة قلبت حياة الكثير من المجتمعات الشيعية ونورتها وحررتها من الخرافات وضيق الأفق، الى ان وصلت هذه المجتمعات في عصرنا الحالي تزخر بعدد محترم من المثقفين والمفكرين الشيعة، ولعل أكثر هذه المجتمعات كانت من المجتمعات الغنية التي وصلتها المفاهيم التصحيحية والأسس التي ولدتها في وقت واحد أو بالتدريج السريع - المهم انها وصلت. ولكن هناك مجتمعات لم تصلها هذه المفاهيم الا في وقت متأخر أو لم يستوعبها أهلها بالشكل الصحيح الا بعد فترة طويلة. أما الأسس فما زالت كلها او غالبيتها في الطريق حتى الآن. ولذلك فان هذه المفاهيم رغم أنها سليمة الا انها لا تؤتي ثمارها ونجد كل شخبوط وخربوط في مثل هذه المجتمعات يستخدم مفاهيم الاصلاح والعدالة والحرية والحق والباطل واحياء الدين. ان استخدام المفاهيم المعلقة في الهواء من دون حبل يربطها بالأرض لا يناسب الا (أبطال الديجيتال).
الوحدة المزيفة
منذ زمن الاستعمار والاحتلال ومفكرينا يتكلمون عن الوحدة الاسلامية والتعاون الاسلامي ووحدة الهدف وما الى ذلك من مفاهيم ومصطلحات كلنا على علم بها.
البعض يسئ فهم معنى هذه الوحدة. بل الكثيرون يسيئون فهم معنى هذه الوحدة.
الوحدة التي نطالب بها يا جماعة الخير ونسعى اليها هي وحدة الجبهة لا وحدة الحزب. هناك الكثير من المشتركات بين الطوائف الاسلامية يمكن التعاون على أساسها والوقوف على اساسها صفا واحدا في جبهة واحدة ضد أي استعمار أو استيطان من أي نوع.
نحن لا نطالب بوحدة الحزب التي تعني وحدة جميع الأفكار والتوجهات. أفكارنا قد تختلف عن أفكارهم ونظامنا قد يختلف عن نظامهم وتوجهاتنا قد تختلف عن توجهاتهم. هناك امور عقائدية لا يمكننا ان نتنازل عنها. ولا نطالبهم بالتنازل عن عقائدهم وثوابتهم..!!
هذا هو المفهوم الصحيح للوحدة.. وحدة الجبهة.. هذه هي الوحدة التي نرجو أن نحققها.. هذه الوحدة يجب ان تكون ليس فقط بين المسلم الشيعي والمسلم السني.. هذه الوحدة يجب أن تكون بين كل انسان وانسان طالما أن هناك اهداف انسانية مشتركة ومصالح انسانية مشتركة. هذه الوحدة يجب ان تتوفر لبناء حضارة انسانية مشتركة.
أذكر في أيام المدرسة كنا خرجنا أنا وزملائي من المذهب الاباضي وبعضهم من خلص أصدقائي بصحبة أحد المعلمين الشيعة لمسابقة طلابية مزيفة تنشر عبر اذاعتنا رضي الله عنها. دارت بيننا أحاديث كثيرة. التقطت من بين كلمات معلمنا الفاضل وهو يتكلم من منطلق الوحدة الاسلامية كأنه يدعي أنه على الحق المطلق الذي لا حق بعده وان على الجميع ان يتشيعوا. فهو لا يفهم الوحدة الا بمعنى أن يتشيع الجميع ويذهبوا للمأتم ويعزوا أهل البيت عليهم السلام بمصاب الحسين عليه صلوات ربي وتسليماته.!!
معلمنا الفاضل وغيره من الأفاضل يفهمون هذه الوحدة فقط ولذلك فان اختلاطهم وتفاعلهم مع المنتمين لغير ما يدعون اليه كله مليء بالنفاق والكلام المزيف.. فهم يظهرون انهم لا يفرقون بين الشيعي والسني ولكنهم في داخلهم سواء من حيث يشعرون أو لا يشعرون يريدون أن يشيعوا كل شخص.. فهم لا يطلبون الوحدة من أجل الوحدة بل الوحدة عندهم صارت دعوة مقصودة الى التشيع. تراهم ينتهزون الفرص ليطرحوا كل ما يمكن ان يشيع الطرف المقابل.. وليت شعري اي تشيع يدعون اليه؟!!
نحن لا نحتاج الى وحدة مزيفة لنشيع الآخرين. ان الوحدة الحقيقية الفعلية التي ندعو اليها.. وحدة الجبهة.. هي وسيلة اوتوماتيكية لاقصدية للدعوة الى التشيع. هي وسيلة العصر الحديث للدعوة الى التشيع. بل الى أي مذهب او نظام او توجه.
ان العصر الذي نعيش فيه يفرض علينا دعوة من نوع آخر. انها دعوة بالتقدم والعلم. دعوة بالنتائج العملية. دعوة بالتطبيق الناجح. دعوة ببناء حضارة ومدنية عظيمة.
ان منطق العصر يقول: كل نظام ناجح وكل حضارة تنتج أقل نسبة ممكنة من السلبيات هي الحضارة الحقة وهو النظام الحق.. وهو المذهب الحق.
التقديس الجاهلي
في صغري كنت اتابع مسلسلا باللغة الأردوية اسمه (بيربل.. اكبر). هذان شخصان (بيربل) و(أكبر). (أكبر) هو الامبراطور المغولي الهندي جلال الدين محمد اكبر ولعل الذي شاهد الفيلم الهندي المشهور المدبلج على قناة (أم بي سي) (جودا أكبر) يعرفه.. و(بيربل) هو مشتشاره الذكي الحذق الذي كان يشبه في عبقريته الى حد كبير محققنا الكرتوني (كونن).
كنت أستغرب كثيرا من النداء الذي كان يرفع عندما كان هذا الامبراطور يدخل الى القاعة التي يجتمع فيها الوزراء وأصحاب المسائل والحاجات.. (الآن سيدخل ظل الله في الأرض الى القاعة).
هذا التقديس تقديس جاهلي، وهو منتشر بين بعض الشيعة في خصوص الأئمة. ان ايماننا بأئمتنا وتقديسنا لهم اذا قام على اساس فهم مقام الامامة وماهيتها وحدودها والاقتناع بها فهو عقلاني وعقلائي بلا ريب. وأنا لا أعني بالتقديس الجاهلي هذا التقديس والعياذ بالله.
ان التقديس الذي أعنيه هو تقديس الذين يتصورون أهل البيت والأئمة عليهم صلوات ربي وتسليماته كما كان الهنود يتصورون جلال الدين محمد أكبر او كما كان الأوروبيون يتصورون حكامهم في القرون الوسطى.
ان التقديس الجاهلي الذي أعنيه هو تقديس الرعية الجاهلة لملوكها. فكما ان الملك نصّب نفسه بنفسه ملكا على الشعب كذلك نصب المولى جلت أسماؤه اهل البيت أئمة على الناس. وكما ان على الرعيّة أن تتبع الملك كذلك على الناس ان يتبعوا اهل البيت. وهذا التقديس الجاهلي الفارغ يظهر بوضوح في خصوص مراجعنا العظام أيضا. فلو انتقد زيد من الناس أحد مراجعنا بطريقة مهذبة او طرح تساؤلا في شأن من شؤونهم ثارت ثائرة الموالين بارك الله فيهم واعتبروا النقد تعديا وخطا أحمرا. انهم لا يفهمون لماذا يقلدون ومن يقلدون. لقد نشأوا على التقليد في كل شيء. وربما يبقون طوال حياتهم مقلدين في كل شيء.
والبعض يدخل في هذا التقديس رب العالمين أيضا. فهو يتصور الاله كأحد الملوك من القرون الوسطى.. يملك قائمة لـ1286 امرا لا يريدك ان تقوم بها وقائمة أخرى لـ2497 أمرا يريدك ان تقوم بها.. وهذا التصور يمكن لمسه بوضوح في دعوتهم الى الاسلام فتراهم لا يتكلمون الا عن العذاب والنار والزبانية وغضب الرب.. الخ.
شكرا للقراءة
* هذه المقالة مستلهمة من كتب الدكتور علي الوردي و قد تكون بعض العبارات المستخدمة (عن غير قصد) موجودة فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق