الجمعة، ١٧ ديسمبر ٢٠١٠

مقدّمة تعريفيّة في علم المنطق - الجزء الثّاني


مقدّمة تعريفيّة في علم المنطق - الجزء الثّاني
اعداد: علي داود اللواتي


ما مدى قبول المسلمين للمنطق الأرسطي؟


يقول الأستاذ السيد كمال: "لا بد ان نقف متأملين عند هذا المنطق لنرى أن هذه القوانين وأن هذا العلم الذي جاءنا من فكر آخر - باعتبار أن الفكر اليوناني فكر له أصوله و له قواعده و اتجاهاته المختلفة عن الفكر الاسلامي الذي جاء به القرآن و رواية أهل البيت عليهم أفضل الصلاة و السلام - لنرى أن هذا الفكر هل يمكن أن نقبله ضمن اطارنا الفكري أم لا يمكن أن نقبله، فهل نرفض المنطق الأرسطي رفضا مطلقا كما فعل بعض الغربيين - سيأتي ذكره - أم نقبله قبولا مطلقا كما يحاول البعض أن يدع بأن كل ما قاله أرسطو صحيح كما ذكر الشيخ الرئيس رحمة الله تعالى عليه: هو الحق الصحيح الذي لا يوجد غيره أم لا بد من أن نحقق فيه لنرى الصحيح من الخطأ؟" (1)


و يقول الغزالي: "إن المنطقيّات لا بدّ من إحكامها، فهو صحيح، و لكن المنطق ليس مخصوصاً بهم - يقصد ليس مخصوصا بالفلاسفة - وإنما هو الأصل الذي نسمّيه في فن (الكلام) (كتاب النظر) فغيّروا عباراته إلى المنطق تهويلاً، و قد نسمّيه (كتاب الجدل)، وقد نسمّيه (مدارك العقول) فإذا سمع المتكايس المستضعف، اسم المنطق، ظن أنه فن غريب، لا يعرفه المتكلِّمون، و لا يطلع عليه إلا الفلاسفة... و نناظرهم فى هذا الكتاب بلغتهم، أعنى بعباراتهم في المنطق، و نوضح ان ما شرطوه فى صحة مادة القياس و ماوضعوه من الاوضاع فى ايساغوجى وقاطيغورياس التى هى من اجزاء المنطق و مقدّماته لم يتمكنوا من الوفاء بشىء منه فى علومهم الالهية" (2).


أما ابن حزم فيقول: "إن ما سلف من الحكماء قبل زماننا جمعوا كتبًا رتبوا فيها فروق وقوع المسميات تحت الأسماء التى اتفقت جميع الأمم فى معانيها وإن اختلفت فى أسمائها - إذ الطبيعة واحدة و الاختيار مختلف - و رتبوا كيف يقوم بها المعلومات من تراكيب هذه الأسماء فحدوا فى ذلك حدودًا و رفعوا الإشكال فنفع الله تعالى بهم منفعة عظيمة و قربت بعيدًا و سهلت صعبًا و ذلك عزيز فى إرادة الحق، فمنها كتب أرسطوطاليس الثمانية المجموعة فى المنطق" (3).


كما حاول متى بن يونس المنطقي إثبات حيادية المنطق و دقته و واحديته في تمييز الحق من الباطل إذ قال: "لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل و الصدق من الكذب و الخير من الشر و الحجة من الشبهة و الشك من اليقين، إلا بما حويناه من المنطق و ملكناه من القيام به، و استفدناه من واضعه على مراتبه و حدوده - يقصد أرسطو - فاطلعنا عليه من جهة اسمه على حقائقه" (4).


و قد ووجه المنطق الأرسطي بشده من قبل البعض من امثال ابن تيمية الذي ألّف (الرد على المنطقيين) و (نقضالمنطق) للردّ على المنطق الأرسطي.


ما هو تعريف علم المنطق؟


كلمة النطق بضم النون و سكون الطاء التي هي كما هو معروف: (اللفظ بالقول)، و لكن هناك معنى ثان لكلمة النطق يذكره صاحب معجم الوجيز بأنه: (الفهم)، و صاحب معجم الوسيط بـأنه: (الفهم و ادراك الكليات)، وهناك معنى ثالث وهو (القوة العاقلة التي بها يدرك الانسان الكليات أو بها يفكر). و سمي هذا العلم بعلم المنطق لانه يصحح عمل هذه القوة العاقلة. 

ببساطة علم المنطق هو "علم يبحث عن القواعد العامة للتفكير الصحيح" ويذكر الشيخ المظفّر تعريفا لعلمالمنطق أستحسن عرضه هنا. يقول: "علم المنطق آلةُ قانونيةُ تعصم مراعاتُها الذهنَ عن الخطأِ في الفكر".



آلة: يبين هذا التعريف أن علم المنطق من العلوم الآلية. حيث تنقسم العلوم الى قسمين: علوم تطلب لنفسها، و علوم تطلب لغيرها من العلوم. أما العلوم التي تطلب لنفسها مثل علم الفيزياء فهو علم ندرسه لمعرفة نفس مسائله، و اما العلوم التي تطلب لغيرها من العلوم مثل علم الجبر فهو علم لا يطلب أو لا ندرسه لنعرف نفس قوانين الجبر بل ندرسه ونتعلمه لحل المسائل الرياضية التي نريد الوصول فيها الى مجهولات حسابية. كذلك علمالمنطق من العلوم التي تطلب لغيرها من العلوم فهي آلة أو اداة لغيرها من العلوم و خادمة لها و لا تطلب لنفسها.


قانونية: وصف الآلة بأنها قانونية في اشارة الى أن هذه الآلة تعطيك قواعد عامة وقوانين عامة تحتها جزئيات ومصاديق كثيرة. بمعنى أن كل قاعدة و كل قانون في هذا العلم له مصاديق كثيرة لتطبّق عليها. فهذا العلم يعطيك القوانين العامة للتفكير الصحيح التي يمكنك أن تطبقها في كل العلوم حتى علم الجبر الذي شبّهنا هذا العلم به.


تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر: هنا يريد المعرف أن يشير الى: 

أولا: قد يعترض المعترض و يقول أنكم تقولون أن علم المنطق يعصم صاحبه عن الخطأ في الفكر، و لكن هذا لا يحصل دائما، فنرى الشخص يدرس علم المنطق و لكنه يخطأ في التفكير فلا فائدة منه. و يرد عليه بطريقتين طريقة نقضية وهي: أننا نجد أن الدراس لعلم النحو و علم الصرف أيضا يخطأ في اللغة العربية فهل نقول أن دراسة اللغة العربية لا نفع منها؟.

وطريقة حلية باعتبار أن الرد النقضي لا يحل الاشكال بل يزيد الاشكال اشكالا، و هي أن خطأ الدارس لعلم المنطق في التفكير و في طرق الاستدلال لا يعني أن المنطق لا نفع منه، بل يعني أن الدارس لم يطبق القواعد و القوانين التي تعلمها بطريقة صحيحة بحيث لم يكن قد تمرن عليها حتى تصبح ملكة له، فعلم المنطق لا يعصم المفكر عن الخطأ الا بمراعاة قوانينه و قواعده و التمرن عليها حتى تصبح ملكة.

ثانيا: علم المنطق لا يعلم الانسان التفكير أو لا يقول للانسان فكر، بل هو يعصم تفكيره أو قل يقول له اذا فكرت ففكر بهذه الطريقة.

ما هي أهمية علم المنطق و ما الغاية منه؟

يقول الشيخ المظفر في كتابه منطق المظفر: "خلق الله الانسان مفطورا على النطق، و جعل اللسان آلة ينطق بها، و لكن مع ذلك يحتاج الى ما يقوم نطقه و يصلحه، ليكون كلامه على طبق اللغة التي يتعلمها من ناحية هيئات الألفاظ و موادها، فيحتاج أولا الى المدرب الذي يعوده على ممارستها، و ثانيا الى قانون يرجع اليه يعصم لسانه عن الخطأ، و ذلك هو النحو و الصرف. و كذلك خلق الله الانسان مفطورا على التفكير بما منحه من قوة عاقلة مفكرة، لا كالعجماوات. و لكن مع ذلك نجده كثير الخطأ في أفكاره،  فيحسب ماليس بعلة علة، و ماليس بنتيجة لأفكاره نتيجة، و ماليس ببرهان برهانا، و قد يعتقد بأمر فاسد أو صحيح من مقدمات فاسدة... و هكذا. فهو اذن بحاجة الى ما يصحح أفكاره و يرشده الى طريق الاستنتاج الصحيح و يدربه على تنظيم أفكاره وتعديلها. و قد ذكروا أن علم المنطق هو الأداة التي يستعين بها الانسان على العصمة من الخطأ و ترشده الى تصحيح أفكاره... اذا فحاجتنا الى علم المنطق هي تصحيح أفكارنا، و ما أعظمها من حاجة!".

وجدير بالذكر بأنه في القرون القليلة الماضية نوقش المنطق الأرسطي مناقشة حادة جدا، و خصوصا على يد امثال فرنسيس بيكن الانجليزي و ديكارت الفرنسي، فهؤلاء هاجموا المنطق الأرسطي بأكمله لا بعضه هجوما عنيفا جدا، بنحو وصفوه بأنه باطل و انه غير مفيد لاسقاط هذا المنطق عن الفكر الذي يحكمه، و لكن في الفترات الاخيرة هذا الهجوم خف عن وطأته السابقة، و بدأ المفكّرون الغربيّون يفكرون بشكل أدق لا بالشكل الرافض للمنطق الأرسطي جملة و تفصيلا.

ما هو موضوع علم المنطق؟

لنتعرف أولا على المقصود من (موضوع العلم)، نقول: موضوع كل علم هو ذلك المحور الذي تدور كل مسائل ذلك العلم حوله. مثلا في الرياضيات كل مسائل علم الرياضيات تدور حول محور واحد و هو العدد فيكون العدد هو موضوع علم الرياضيات.

يقول الشهيد مرتضى المطهري: "ان موضوع علم المنطق عبارة عن المعرف و الحجة، أي: ان مسائل المنطقاما أن تبحث في المعرفات، أي: التعاريف. و اما أن عن الحجج، أي: الأدلة. و يكفينا في هذه العجالة العلم بأن كل علم لا يخلو من شيئين:
الأول: تعريف سلسلة من الأمور، و الأخر: الاستدلال على اثبات مجموعة من الأحكام. 
ان علم المنطق يحاول تعليمنا طريقة التعريف و الاستدلال الصحيح.." (5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدرس الأول في علم المنطق للأستاذ السيد كمال الحيدري.
(2) كتاب تهافت الفلاسفة لأبي حامد الغزالي / مقدمة رابعة.
(3) ابن حزم / التقريب لحد المنطق تحقيق إحسان عباس ، دار الحياة د . ت ص6 .
(4) الإمتاع و المؤانسة / أبو حيان التوحيدي. 
(5) مدخل الى العلوم الاسلامية / الشيخ مرتضى المطهري / علم المنطق ص21.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق