الأربعاء، ٢٦ يناير ٢٠١١

الرغبة في التغيير


رغبة التغيير
بقلم: علي داود اللواتي



يقول أحد المفكّرين: عندما أرى: (أنّ ما أريده غير موجود) و(ما أجده لا أريده) فانّ أمامي طريقان لتحقيق الانسجام مع الواقع، فامّا أن أتحرّك من موقع تغيير نفسي ومحتواي الدّاخلي لكي أحقّق ما أطمح اليه ولا أراه في العالم الخارجي، وامّا أن اتحرّك من موقع ازاحة ما أجده في العالم الخارجي ممّا لا أرغب فيه.

نفهم من هذا أنه لتحقيق الابداع والتواصل الحضاري والعلمي والفكري:
أولا: يجب أن تكون عند الانسان طموحات ورغبات.
ثانيا: يجب أن يكون هناك واقعا مخالفا لهذه الرغبات والطموحات.
ثالثا: يجب أن يعي الانسان بأن الواقع المتوفّر مخالف لطموحاته ورغباته.
رابعا: يؤمن بأنّه قادر على تغيير الواقع بحيث يتوافق مع طموحاته ورغباته.
خامسا وأخيرا: يعي بأنّه اذا أراد أن يغيّر الواقع بحيث يتوافق مع طموحاته ورغباته عليه أن يتحرّك نحو تغيير الواقع بالدّرجة الأولى لا تغيير نفسه.

طموحات ورغبات الانسان

هناك عدد من العوامل تجعل الانسان خال من أيّ طموح ومن أيّة رغبة في التغيير، وهي لا على سبيل الحصر:

- انعدام أو قلّة الثقافة: الانسان المنغلق على نفسه وبيئته، والذي لا يدري بالتقدّم والتطوّر التي وصلت اليه المجتمعات الأخرى في شتّى المجالات، مثل هذا الانسان سيعتقد بأنّ الحالة التي هو عليها (المتخلّفة مقارنة بتلك المجتمعات المتقدّمة) هي أفضل حالة يمكن أن تكون متوفّرة على هذا الكوكب الأزرق.

- توفير الحاجات الأوّلية بشكل مترف والتصدّي للحاجات الأخرى: في نهضة علم النفس الثالثة قالوا بأنّ حاجات الانسان يمكن تقسيمها الى ثلاثة أقسام، وما أن تسدّ حاجات القسم الأوّل (الحاجات الأوّليّة) المتمثّلة في الخبز والماء والهواء فانّ الحاجات الأخرى مثل الثقافة وحرية التعبير وغيرها لا تظهر الى حيّز الوجود وبالتالي لا يكون هناك كلام حول اشباع ما لم يظهر بعد، فعندما تكون هناك حاجة الى الخبز والماء والهواء (أي الحاجات الأولية) تتولّد عند الانسان الرغبة والطموح في التغيير فيتحرّك كما حصل في تونس مثلا، وعندما تكون هناك حاجة الى الثقافة والديموقراطية وحرية التعبير عن الرأي تتولّد الرغبة في التغيير ويتحرّك الانسان أيضا، ولكن الحاجة الى الثقافة والديموقراطية لا تظهر الا بعد أن تسدّ الحاجة الى الخبز والماء والهواء.

 وحسب اعتقادي وملاحظتي: المجتمع الذي تتوفّر فيه الحاجات الأوّلية بشكل مترف، ويتعامل معها على أنّها الغايات الأساسيّة والأبديّة بحيث اذا توفّرت انتهى كلّ شيء، وفي نفس الوقت لا تتوفّر فيه الوسائل التي يمكن أن تنمّي الحاجات الاخرى، مثل هذا المجتمع يتحوّل الى مجتمع جامد خال من أيّ طموح ومن أيّة رغبة أخرى، ومثل هذه الحالة نلاحظها في البلدان التي توفّر الحاجات الأولية لأفرادها (أو بعض أفرادها !) بشكل مترف، وفي نفس الوقت تعمل على التصدّي لأيّة وسائل يمكن أن تنمّي الحاجات الأخرى، فتعمل مثلا على منع النقابات، ومنع وقمع المظاهرات والاحتجاجات، ومنع بعض الأحزاب أو كلّ الأحزاب، ومنع عرض أو طباعة او نشر بعض الكتب، وتعمل على تقييد الصحافة والاعلام، وتهتمّ بأمور ثانويّة غير ضروريّة أكثر من اللازم مثل الحفلات الضّخمة والمراكز والملاهي والمجمّعات وغيرها والتي تشغل الناس من الصّباح حتّى المساء ويوميّا.

أذكر على سبيل المثال بأني كنت أقول لأحد الأصدقاء بأنّه لا توجد عندنا مراكز علميّة في السلطنة (وربّما نحن معذورون بعض الشيء في السلطنة مقارنة بالدول الخليجية الأخرى بسبب فارق الدّخل الذي لا نعرف عنه كثيرا بشكل يقيني أصلا، وربما معذورون في عدم علمنا هذا أيضا بسبب قلّة المثقّفين عندنا، هكذا سمعتهم يقولون !)، فردّ عليّ: ولكن لماذا نحتاج الى مراكز وأبحاث علميّة؟!، وكلامه في الواقع صحيح 100% ولا غبار عليه، فالحكومة توفّر لنا التعليم والصحّة ومعظم الخدمات مجّانا ومن دون أيّة ضرائب، وتقوم باستيراد جميع التكنولوجيا المتقدّمة والضرورية من الخارج، والحمد لله رواتبنا ستصل قريبة من الألف ريال عماني، والتي سنصرفها في الاستمتاع والترفيه بالسفريّات واقتناء مالذّ وطاب قدر المستطاع، وسلّم لي على المراكز والأبحاث العلميّة.

تغيير الواقع

ذكرت في البداية أنّ هناك طريقان بعد ملاحظة الانسان أنّ الواقع يخالف طموحاته ورغباته، فامّا أن يتحرّك نحو تغيير الواقع، وامّا أن يتحرّك نحو تغيير نفسه، والتحرّك نحو تغيير النفس يعني بأن يسلّم الانسان نفسه لمجريات الأحداث، وينتظر المعجزات، وظهور المخلص الالهيّ، ويسلّي نفسه بالتزكية والأخلاق، وأنّ كل ما يحصل له من ظلم هو بسبب معاصيه وذنوبه هو نفسه، وأنّه ابتلاء الربّ، وعليه أن يصبر على هذا البلاء الالهيّ، وقد يعتقد البعض أن كارل ماركس أخطأ عندما قال: الدين أفيون الشعوب، ولكن الذي ينظر الى بعض البلدان العربيّة - من دون تخصيص - يرى بوضوح أنه كان محقّا فيما قال عن الدّين (طبعا دين أبو جهل وليس دين محمّد).

 وفي هذا الخصوص قال أحد المفكّرين أنّ: الشعوب لا تسعى للتغيير لمجرّد أنّها مظلومة بل تسعى للتغيير عندما تشعر وتحسّ أنها مظلومة، وهذا الشعور والاحساس بالظلم يعني الايمان بالقدرة على التغيير، وعدم القاء الخطأ على النفس بل على الآخرين.


شكرا للقراء


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق