الثلاثاء، ١٥ فبراير ٢٠١١

مقالات في الديمقراطية (2): ما معنى الديمقراطيّة "الدينيّة"؟


مقالات في الديمقراطية (2): ما معنى الديمقراطيّة "الدينيّة"؟
الموضوع الأصلي في كتاب (قراءة بشريّة للدّين) ولكن لم أنقله بكامل نصوصه طلبا للاختصار والتركيب وعوّضت عن ذلك بكلماتي الخاصّة.

يوجد معنيان لمصطلح "الديمقراطيّة الدينية":

المعنى الأول: هو أن الدّين بنفسه يؤيّد قيم ومباديء الديمقراطيّة التي ذكرناها في موضوع المقالة الأولى من هذه السلسلة، بحيث لا يوجد هناك اختلاف بين تلك القيم والقيم التي يدعو اليها الدّين، فالفارق بين الديمقراطية الدينية بهذا المعنى والديمقراطيّات الموجودة في البلدان [الغربيّة] (التي لا توصف بأنها ديمقراطيّات دينيّة) لا يكمن في أنّ الديمقراطيّة الدينية مخالفة لها أو أنها محاطة أو متأثرة بأحكام وشروط خاصّة مختلفة، بل الفرق يتبيّن في مجالين: الأول: انّ الناس في البلدان الغربيّة قبلوا بالديمقراطيّة برؤية غير دينية. والثاني: بما أنهم كذلك فانهم عملا لا يرون للقيم الدينيّة دورا مهمّا في رسم معالم الحكومة وصياغة النظام السياسي لهم.

ويبدو أنّ الديمقراطيّة الدينيّة بهذا المعنى لها مقتضيات ولوازم، وأهمّها أنّ المتديّنين يجب عليهم السعي في اطار منظومة القيم الموجودة في مجتمعهم لجذب المباديء والقيم والأخلاق الضرورية للمجتمع الديمقراطي، وادغامها في ثقافتهم ومنظومتهم الاخلاقية والقيميّة، بحيث لو نظرنا الى منظومة القيم في هذا المجتمع لرأينا توفّر القيم الديمقراطيّة فيها. 

ولكن عندما تكون هناك قيم دينية تتنافى مع القيم الديمقراطيّة وتعمل على نفيها والغائها ولا تسمح لها بالدخول، ففي هذه الصورة تبرز مشكلة كبيرة، وهنا يجب اعادة النظر في نظام القيم الموجودة في هذا المجتمع والعمل على ترميمه وتجديد بناء الفكر الديني.

انّ الفكر الديني المتناسب مع القيم [الديمقراطيّة] بحاجة للترميم والتجديد دائما، واذا أردنا بقاء الدين في هذا العصر وبقاء فاعليّته وقدرته على ايصال المعنويّة للناس فينبغي اعادة النظر في القيم الاجتماعيّة للمجتمعات الدينيّة، ويجب على علماء الدين أيضا أن يساهموا في تجديد الفكر الديني من مواقع دينية. وهذا العمل يجب ان يتكرّر بين الفترة والأخرى.

المعنى الثاني: وهو موقف التيّار الأصولي من الديمقراطيّة. و"الديمقراطيّة الدينيّة" عند هذا التيّار تعني أن يتحرّك الذين يعتقدون بقيم دينيّة معيّنة في مسار الالتزام والوفاء العمليّ لها من موقع التقليد والتبعيّة للأشخاص الذين لا يعتقدون بضرورة تجديد القيم واعادة النظر في المباني والقيم الدينيّة والثقافة الاجتماعيّة وجعلها تتناسب وتتجانس مع قيم الديمقراطيّة، وليس فقط لا يبيحون ذلك بل يتحرّكون من موقع اثارة مشاعر الجمهور ضد قيم الحداثة وسيادة الشعب بالمعنى المعروف.

هذه الطائفة ترى أنّه من أجل استلام زمام الأمور والسلطة فانّ الحكومة الدينية ملزمة بوضع قوانين ومقرّرات لمنع الأفكار المخالفة من الانتشار والامتداد في جوّ الفكر، وربّما يسمح باستخدام وسائل القهر والقوّة ضد الطّرف الآخر لغرض كبت الرأي الآخر والحفاظ على المناصب الحكوميّة من الوقوع في أيدي الطرف المخالف، وبالتالي حفظ القيم الدينيّة التي يرون أنها هي الصحيحة والحقّة.

انّ أفراد المجتمع في عقيدة هؤلاء ينقسمون من جهة حقوق المواطنة الى قسمين: مواطنين درجة 1، ومواطنين درجة 2، ومقولات الديمقراطيّة من قبيل حرية كلّ شخص ومسؤوليته في مقابل حرّية الآخرين وعدم التمييز في الحقوق بين جميع الأفراد و.. الخ، كلّ ذلك لا معنى له في نظر هذه الجماعة، ومعنى "سيادة الشعب" في نظر هؤلاء أن يتحرّك الناس لانتخاب المسؤولين في النظام بالأطر المحددة التي تراها هذه الفئة للناس، وعلى الناس ان يقنعوا بالخدمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تقوم بها الحكومة بدون أن تشترك جميع الفئات والتيّارات المختلفة في حقوق متساوية للمواطنين، وفي هذا المجتمع لا يعترف رسميّا بالتعدّدية والكثرة في مجال السياسة والعقيدة والفكر، لأنهم لا يمنحون حقوقا متساوية لهذه التيارات والفئات السياسية في المجتمع، والتعدّدية الدينية أيضا لا يعترف بها رسميّا، وبالتالي فانّ بعض القراءات الدينيّة ليس لها حقّ الحياة أو النموّ والامتداد.

وفي هذا التفسير للقيم والدّين يتمّ حذف والغاء قيم الديمقراطيّة ولايتمّ انتخاب المسؤولين والحاكمين بوسائل ديمقراطيّة وعلى أساس الأكثريّة، ويكتفي هؤلاء بعنوان "سيادة الشعب" والقول بأنّهم ديمقراطيّون، ولكنّهم في مجال العمل والممارسة يعيشون أفكارا وقيما مضادّة للديمقراطيّة وسيادة الشعب.

وبهذا المعنى لا يمكن اضافة كلمة "دينيّة" لمصطلح "سيادة الشعب" لأن هذه الاضافة بامكانها تفريغ سيادة الشعب من مضمونها ومحتواها الحقيقي، فالمقصود من سيادة الشعب هو هذا النظام الديمقراطي السائد في الفكر الحداثي، واذا أراد [المتديّنون] البحث في ماهيّة النظام الديمقراطي فيجب أن يبحثوا في ذلك المعنى المعروف لا ان يتحرّك البعض على مستوى تحوير وتحريف الديمقراطيّة.

شكرا للقراءة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق