الجمعة، ١١ فبراير ٢٠١١

خربشة على هامش برهان النظم (أو التصميم الذكي)

خربشة على هامش برهان النظم (أو نظرية التصميم الذكي)
علي داود اللواتي


من وجهة نظري الشخصية، فأن ما يقدّمه المؤمنون - واضعا نفسي موضع المحايد والموضوعي - في نظرية التصميم الذكي (أو ما يمسى في الالهيات الدينية بـ برهان النظم) يحتاج الى دعم أكبر مما يقدّم.

هناك ثلاث صيغ لـ برهان النظم (أو نظرية التصميم الذكي):
الأول: النظم الفاعلي.
الثاني: النظم الغائي.
الثالث: الاستقراء العلمي.

ويمكن الرجوع الى الكتب المختصّة لفهم هذه الصيغ الثلاثة، ولكن باعتقادي وبحثي الخاص وفهمي الخاص أعتقد أن المسألة كلها تنتهي الى نقطة أساسيّة واحدة، وهي: "أن هذا النظم في الأحياء (وبين الأحياء) بالذات - الذي هو ارتباط بطريقة متناسقة ومتكاملة وكأن كل طرف في وجوده أخذ حساب الآخر - ليس ضروري الحصول من تلقاء ذاته أو غير ممكن أن يكون ناشئا من تلقاء ذاته أو احتمال كونه ناشئا من تلقاء ذاته ضعيف جدا جدا الى درجة عدم اعتباره من الناحية العلميّة، وبالتالي فهو - أي النّظم - بحاجة الى منظّم واع عالم قاصد لفعله خارج عنه".

الآن: باعتقادي أن هذه النقطة الأساسية يمكن انتقادها كالتالي:

ولكن من أين لنا ان نعرف بأن الارتباط والتنظيم الذي نلاحظه في الاحياء وبين الأحياء بالذات غير ضروري (أو احتماله ضعيف جدا جدا) أو غير ممكن (أن يكون ذاتيا) أصلا؟ فهذه الأحياء وجدناها هكذا، وهي تختلف عن المصنوعات التي نحن أوجدناها ونعيش يوميّا حالات انتاجها، يعني نحن نستطيع أن نقول بان الارتباط بين اجزاء جهاز الكمبيوتر مثلا في الظروف الحالية غير ضروري أو غير ممكن (وطبعا غير ضروري لا يعني مستحيل في كل الظروف والحالات وكذلك غير ممكن لا يعني غير ممكن في كل الحالات والظروف) لأننا نعيش ونجرب انتاجه ونصنعه بأنفسنا، ولكننا لم نجرب المواد الطبيعية، بل وجدنها هكذا امامنا، فلكي نقول أن ارتباطها بهذا الشكل وبهذه الكيفية غير ضروري (أو غير ممكن) يجب أن نرجع الى بدايات تكوّن الأرض، ونجرّب هناك، ونرى هل هو ضروري ام غير ضروري أو هل هو ممكن أم غير ممكن، وهذا مثله مثل أيّ شيء غريب لم نعلم علما مسبقا أنه من مصنوعات الانسان، وكان بكيفية يمكن ان نقول أنها منظمة ومتناسقة، فلكي يحصل لنا اليقين التام بأنه لم يتشكل ذاتيا ونتيجة توفّر ظروف طبيعية معيّنة علينا ان نرجع بالزمن الى الوراء، وليس هناك من طريقة اخرى للحصول على اليقين واصدار حكم "اللاضرورة" في هذا الخصوص الا هذه الطريقة.

بتعبير ثان: عندما أقول بأن الانسان - مثلا - ترتيبه وتناسق أجهزته وتعاونها مع بعضها البعض يحتاج الى منظّم خارجي، فهذا يعني وكأني أتصور أن هذا الانسان وجد دفعة واحدة بهذا الشكل المنظم، في حين ان هذا ليس ضروريا، بل يمكن (ولو بأي نسبة من الاحتمال - اذ أن الاحتمال يبطل الاستدلال) أن يكون وجود الانسان على هذه الكيفية هو نتيجة تاريخ طويل من التغيرات والملائمة مع ظروف مختلفة، وأن الظروف المبكّرة الأولية على الكرة الأرضية كانت مساعدة الى درجة كبيرة - او حتى حتمية - لظهور "بذرة" الحياة وتطورها تدريجيا نتيجة تفاعلات معينة وجراء تغير الظروف، وبشكل طبيعي جدا ومن دون الحاجة الى عوامل خارجة عن الطبيعة، ولكي "أثبت" عكس هذا - وبشكل يقيني - عليّ أن أرجع بالزمن الى الوراء، وألاحظ الظروف من بداية تكوّن الأرض الى الآن، فاذا كانت "كلّ" الظروف والتغيرات لا تسمح اطلاقا بأي نوع من النشوء والتسلسل للوصول الى هذه الكيفية المنظمة، فيمكن ادّعاء الحاجة الى وجود منظّم خارجي (خارج العوامل الطبيعية) حينئذ.

بتعبير ثالث (حسب تعبير أحد المدونين العراقيين الملحدين): عندما يكون العالم محدودا والزمن طويلا جدّا، فان أيّ ترتيب يمكن أن يترتّب، والترتيبات التي لا تنسجم مع بعضها البعض يمكن أن تزول، والتي تنسجم تبقى، فما أدرانا بأنّ النظم والتنسيق الذي نراه في الأحياء وبين الأحياء هو ليس لأنه هو الباقي أصلا؟

شكرا للقراءة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق