السبت، ١٣ أغسطس ٢٠١١

قراءة في كتاب: "المعجزة أو سبات العقل في الإسلام"..


قراءة في كتاب: "المعجزة أو سبات العقل في الإسلام"
علي داود اللواتي



للتحميل

كتاب جميل وشيّق جدّا لـ "جورج طرابيشي". وأحبّ أن أضع بعض النقاط هنا والتي كتبتها بعد قراءته منذ فترة شبه طويلة:

أولا: "نبي بلا معجزة" الذي هو الفصل الأول من هذا الكتاب يعني عدم تقديم النبي لمعجزة حسّية على غرار الأنبياء السّابقين، وإلاّ فإنّ القرآن صريح في تحدّيه العرب بل الانس والجن على كونه بنفسه برهانا على صدق اتصال النبي محمّد بالسماء، وإنْ كان هناك كلام حول ماهيّة وطبيعة هذا البرهان القرآني، فهل هو برهان بلاغي أم بياني ام معارفاتي أم وجداني أم خليط من هذه كلها أم شيء آخر؟

ثانيا: الحاجة الى البرهان لإثبات صحّة الاتصال بالإله حاجة طبيعية، وذلك لأن مجرّد الإتيان بشريعة فطرية، أو قوانين "سليمة"، أو الحث على استخدام العقل، لا يعني أن صاحب الدعوى متّصل بالسماء، وأنه صادق في هكذا دعوى، وخاصّة أنّ مثل هذه الأمور لا يمتنع العقل من إمكانيّة كونها بشريّة خالصة، فلكي تتحول الى دعوى الهية لابدّ من وجود برهان، ويجب أن يكون هذا البرهان "فعلا" موصِلا الى الإله.

ثالثا: يعترض بعض الاخوة على تسمية "الآية" بالمعجزة وكونها خارقة للمألوف أو العادة، وهو أمر غريب من وجهة نظري، لأنه ما معنى أن تكون "الآية" آية اذا كانت تُساير العادة؟ ولعلّه من هذا الباب فهم القدماء أنّ معنى "الآية" في القرآن هو "المعجزة".

رابعا: هناك آيات قرآنيّة كثيرة يذكرها الكاتب في فصل كتابه الأوّل: "نبيّ بلا معجزة" تُفهم منها النتيجة التي ذهب اليها، وهي أنّ النبيّ محمّد لم يُقدّم للقوم على كثرة تكرارهم لطلبهم أيّةُ "آية" حسّية، وجدير بالذكر أني قرأت في كتاب آخر لعله كتاب"سرّ الإعجاز القرآني، نقد للموروث الديني" لأحمد القبّانجي أنّ معظم آيات التحدّي القرآني - التي يصف فيها القرآن نفسه بكونه برهانا على صحّة دعوى اتصال النبي محمد بالسماء - نزلت في المدينة أصلا، ولا أدري مدى صحّة هذا الكلام. اضافة الى انّ آيات الاسراء والمعراج وانشقاق القمر التي يصنّفها الكثيرون ضمن معجزات النبيّ الاكرم يجب طرح السؤال التالي بخصوصها: هل هي تكريم للنبي محمّد أم فعلا معجزة؟، (وأعتقد بأن المُصنِّفين خلطوا بين الكرامات والمعجزات خلطا كبيرا)، ولا ننسى أنّ البعض قديما أنكر كون انشقاق القمر معجزة للنبي - بمعنى أنه قدّمها ليثبت صحّة نبوّته - وفسّروها - وكما يذكر جورج طرابيشي نفسه - على انها حادثة ستقع - اعتمادا على بعض قواعد اللغة - وليست وقعت.

خامسا: يمكننا أيضا أن نتساءل عن أسباب حصول الكرامات "الحسّية" - والتي أفرّق بينها وبين آيات النبوة بعدم كونها مقرونة بالتّحدّي - وذلك لأنّ حصول الكرامات شئنا أم أبينا ستجذب الناس إليها، وتعمل على "تعطيل عقولهم" ، والذي هو نفسه - حسب الكتاب - لم يرده الشارع الحكيم، ولذلك لم يزوّد آخر انبيائه بأيّة "آية" "حسّية" على صحّة اتصاله به.

سادسا: اذا لم تكن النبوة بحاجة الى آية أو معجزة حسّية رغم خطورة الموقف وكثرة الطلب، فلماذا يصرّ المصنّفون على أنّ الأئمة من أهل البيت قدّموا معاجز أو آيات حسّية على إمامتهم؟ ومن هنا يتّضح ما ذهب اليه المؤلف من كون هذه المعجزات تحُلّ مَحلّ اللاواقعيّة واللافعليّة التاريخيّة للشيعة قبال السنّة أوّلا، وثانيا لتحل محل الخلافات الاماميّة الداخليّة. وكذلك أيضا اذا صحّت دعوى "نبي بلا معجزة في القرآن" نتساءل عن سبب نشوء كلّ هذه المعاجز النبوية، وقد ذهب المؤلف الى كونها محاولة لإقناع أقوام البلدان المفتوحة صاحبة التاريخ الطويل في معاجز أنبيائها وقياداتها أو التنافس معها. وجدير بالذكر أنّ المؤلف اضافة الى هذا السبب الأخير - لنشوء المعجزات النبوية - يذكر سببا آخر وهو كون الاعجاز القرآني - أي الذي ادّعاه القرآن حقّا وبشكل صريح وواضح - يحتاج الى فهم اللغة العربية، وهو سبب غريب بعض الشيء، لأنّه اذا كان مرادُه من هذا الإعجاز القرآني هو الإعجاز الرّسالي والتّعليماتي فهذا لا يحتاج الى فهم اللغة وتكفي فيه التّرجمة. نعم، لو كان مراده الإعجاز البلاغي - أو ما يمكن أن نسمّيه "سحر اللغة القرآنية" - فيحتاج الى فهم اللغة. ولكنّ ما لا أجده مقنعاً في هذا التفسير هو أنّ هذه المعجزات ستظل مجرّد أخبار لأقوام البلدان المفتوحة يُخبرُهم ايّاها الذين فتحوا بلادَهم ولهم طمع في اسلامهم، فكيف فكّر هؤلاء المصّنفون أنّها ستكون مقنعة؟ وهذا يقودنا الى سؤال آخر وهو: كيف كان هؤلاء - المؤمنين بالمعجزات النبوية الحسية - يفهمون الاعجاز القرآني؟ يعني لو كان الاعجاز القرآني مجرّد اعجاز رسالي لا علاقة له باللغة التي نزل بها فانه سيتساوى مع المعجزات الحسّيّة في امكانيّة اقناع أقوام البلدان المفتوحة باعتبار أنّها كلها أخبار للأقوام الجديدة الغريبة عن اللغة العربية - الا اذا قلنا ان عقليّة هؤلاء الأقوام لم تكن تستوعب فكرة "نبي بلا معجزة حسّية" أصلاً.



شكراً للقراءة..

هناك تعليقان (٢):

  1. بارك الله بكم ... على المدونة المميزة

    ردحذف
  2. الفكر الديني المتأسلم فكر عقيم لا يجدي منه نفع ،المتدينون أناس تواكليون يعتقدون أن كل شيء يمكن أن يفسر باللاهوت و يعلنون إستقالة العقل عن فهم ظواهر الحياة، بعد أن كان الإسلام المحرك لإنبعاث نهضة معرفية عرفها العالم الإسلامي وصل أوجه في بغداد و الأندلس أصبح هذا الدين دين معجزات و خوارق و دخل العقل في مرحلة سبات ، و غابت عن الحضارة العربية الإسلامية إمكانية ثورة معرفية تنقلها من القرون الوسطى إلى دينامية الحداثة و فتوحات العقل العلمي.
    هذا الجمود الفكري إنعكس على جوانب الحياة كلها عند المسلمين و على قدرتهم على رفع التحديات، و تسلط الحكام و إستبدوا ، و تسلط السلفيون الوهابيون و من يشاكلونهم فأصبحوا ذوي نفود سياسي و إقتصادي، و حجروا علينا و على إمكانية أن نرى في يوم النور ومع الأسف جاء الربيع العربي ليضع هؤلاء الرجعيين في سدة الحكم كما حدث في مصر و تونس و ليبيا ....

    ردحذف