الأربعاء، ٣١ يوليو ٢٠١٣

خربشات حداثية


(١) مقدمة:

الحداثي والمتدين التقليدي كلٌّ منهما يُفكّر بطريقة مختلفة عن الآخر، وبتعبير أدق يفكّران بمنطقٍ مختلف. فالحداثي عقلانيٌّ من الطراز الأول وفي كل شيء، وتفكيره دنيوي بالدرجة الأولى وخاضعٌ لما يراه مصلحة الناس الواقعيّة "في هذه الدنيا" خصوصا فيما يتعلّق بأمور المدنيّة والحضارة والدولة. أمّا المتديّن التقليدي وإن كان يدّعي العقلانية إلا أنّ مُسلّماته غير الخاضعة للشك والتساؤل كثيرة جدّا. أضف إلى ذلك أن تفكير المتديّن التقليدي أُخرويٌّ بحت، فكلُّ همّه في ما يفعله هو أن يكون مطابقا لشرع الله وحتى عندما يتحدّث عن مصلحة الناس فإنّه يتحدّث عن المصلحة التي وجدَ الله يُحدّدها للناس. مع الأخذ بعين الإعتبار هذه الفروق الجوهرية بين منطِق الحداثي ومنطِق المتديّن التقليدي تتوضّحُ لنا صعوبة ولربّما استحالة أن يُقنع أيٌّ منهما الآخر.

إنّ إختلاف المنطِق هذا هو بسبب الإطار المختلف الذي يعيش فيه كلا من الحداثي والمتديّن التقليدي، فالحداثي مُحاطٌ بالأفكار الأجنبيّة عن ما حوله والتي قد يُجادل في كونها عالَميّة ولا علاقة لها بمجتمع بعينه. أمّا المتديّن التقليدي فمُحاطٌ بالأفكار الدينيّة التقليدية وقد يُصاحبها بعض التجديد الشكلي والتعبيري الذي لا يُغيّر من مضمونها القديم. وطبعا الحل لهذه المشكلة إذا كان ممكنا هو أن يُحاول كلٌّ من الحداثي والمتدين التقليدي أن يخرج من إطاره، فالحداثي مثلا يُعطي لنفسه الفرصة الكافية للتفكير في أسس الدين وفلسفته وأصوله وتطور معارفه، وكذلك يُطالع المتدين التقليدي أفكار الحداثي لغرض التعرّف الموضوعي وليس الردّ أو النقض. على أني ومن خلال متابعتي أظن أن الحداثي يصيرُ حداثيّا لأنه لا يستطيع أن يستند على معارف الدين بنفس يقين المتدين التقليدي.

 
(٢) هل الدين هو سبب تخلّف المسلمين؟

الدين بنصوصه ساكت لا ينطق إنما فهم النصوص هو الذي يُحدّد عمّا إذا كان يُسبّب تخلُّفا أو تقدُّما. ومن الإنصاف الإعتراف أنّه عندنا نماذج كثيرة في تاريخنا وحاضرنا الإسلامي تدعو إلى التخلّف الفكري والعلمي سواءٌ بدعوى التمسّك بنهج السّلف أو غيره. إذن بعض النماذج من الفهم الديني يُمكن أن تُؤدي فعلا إلى التخلّف عن ركب الحضارة. هنا يُمكن أن نُفصّل أكثر ونسأل: هل المباحث الخِلافيّة بين المسلمين كمبحث الإمامة مثلا من أسباب تخلّف المسلمين؟ للجواب قبل كلّ شيء يجب أن نُوضّح أنه لماذا أو ماهو الدافع لمواصلة البحث والنقاش والجدال حول هذه المباحث؟! ويجب أن نُوضّح أيضاً ماذا نقصد بالتخلّف هنا؟ 

إذا كانت هذه المباحث مثلا لأغراض تاريخية بحتة وللإستفادة من تجارب الماضين لرسم حياتنا المعاصرة ومستقبلنا القادم فهذا شيءٌ جيّد ولا ضَير فيه، وكذلك إذا كانت مثلا بدافع أنْ يعرف الفرد الطريقة الصحيحة لممارسة العبادات لإطمئنانه الشخصي فيعرف يَأخُذ بأقوال مَن ويَترك أقوالَ مَن فهذا أيضاً لا ضيرَ فيه، ولكن إذا كانت بدافع الشجار والجدال والنزاع أفلَن تكون سبباً لحصر المسلمين في قوقعةٍ ضيّقةٍ يتشاجرون ويتنازعون فيها؟ أفلَن تكون سبباً للتخلّف الفكري والعِلمي؟ تأمّل أننا هنا لا نتحدّث عن الحق والباطل في هذه المباحث ولا نتحدّث أنّه هل هي جزء من العقيدة التي لا يتمّ الإيمان إلا بها أم هي مباحث تاريخيّة لا تغني ولا تسمن من جوع. نحن نتحدّث وبواقعيّة عن أنه متى وكيف تُصبح هذه المباحث سببا للتخلف فقط!

 
(٣) هل الدين ضد العلم والفكر؟

يبدو أن نسبةً من المسلمين اليوم تجاوزوا مرحلة الخلاف بين الدين والعلم والفكر، فهم ومع إلتزامهم بالدين التقليدي متفوقون في مجالات العلم، ولا يحضرني غير مثال الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم كدولة ذات نظام إسلامي لا يُعجب الحداثيّين ولكنها متفوقة في مجالات العلم والأدب والفكر. إذن مرة أخرى بعض نماذج الفهم الديني لا تُضاد التطور العلمي والأدبي والفكري، ولكن يجب أن نُفرّق بين التفوق أو النجاح والأبداع. النجاح يمكن أن يخلق تغييرا ولكنّه لن يكون تغييرا جذريّا وعميقا ولربّما لن يتأثر به أحدٌ غير صاحبه أو مجموعة صغيرة مصاحبةٌ له، ولكنّ الأبداع يخلق التغيير الجذري والواسع، واذا تتبّعنا حياة الكثير من المبدعين سنجد أنه كانت لهم آراءٌ "شاذة" عن المألوف في مجالات الدين والحياة.

هناك تعليق واحد:

  1. أحييك على هذا التناول الرصين لموضوع الحداثة و الدين، موضوع قلّ أن أجد من يتطرق له بحيادية ودون تعصب لرأي أو للآخر.
    لكن، ورغم اتفاقي معك في ملاحظتك القائلة بكون الكثير من المبدعين يملكون آراء مخالفة للمألوف في مجالات الدين والحياة. أود أن أشير إلى أن الإلتزام الديني في حد ذاته، ليس هو ما يحد من القدرة على الإبداع، أو الحس الإبداعي لدى الفرد، لكن طريقة فهمه وممارسته لهذا الإلتزام.

    ردحذف