السبت، ١١ يناير ٢٠١٤

قراءة في كتاب "التجربة الدستورية في عمان" لبسمة مبارك سعيد

قراءة في كتاب "التجربة الدستورية في عمان" لبسمة مبارك سعيد
علي داود اللواتي






لا أنوي كتابة ملخّص لهذه الدراسة؛ فالكتاب بنفسه يحتوي على ملخّص جيد، ولكن على وجه سريع الدراسة تدّعي أن سلطنة عُمان في عهد السلطان قابوس تنطبق عليها نظرية ميغدال للدولة القوية و المجتمع الضعيف، و الدولة القوية هنا لا تعني الدولة المتقدمة أو ما شابه بل تعني الدولة التي تستطيع أن تخترق المجتمع الذي تحكمه و تفرض رؤيتها و قِيمها عليه، و ذلك بامتلاك موارد البلاد أو أسباب المعيشة الأساسية التي تتوفر في ذلك المجتمع. تذهب الدراسة إلى إثبات هذه الدعوى عن طريق التجربة الدستورية التي مرت بها السلطنة خلال عهد السلطان قابوس، فالسلطان قابوس في بداية عهده رفض إصدار أية وثيقة دستورية إذ لم يكن مضطرا للتنازل لأحد أو مناقشة أحد من الشعب أو مؤسسات المجتمع، و لكنه عندما أحسّ بالحاجة إلى دستور للبلاد أصدره بعد  ٢٦ عاما من حكمه، و حتى هذه المرة لم يناقش أحدا من ممثلي الشعب أو مؤسساته. تذهب الدراسة بعد ذلك لمناقشة ثغرات الدستور العُماني كما كان قبل التعديلات التي صدرت عام ٢٠١١ بعد أحداث الإحتجاجات و الإعتصامات، و كذلك تتناول التعديلات الدستورية الأخيرة بالنقد و التحليل.

مميزات الدراسة

١- تتمتع الدراسة بدرجة لا بأس بها من الموضوعية، فبالرغم من أن الدراسة لا تؤيد أسباب الحكومة في خياراتها الدستورية إلا أنها ذكرت هذه الأسباب و لم تُهملها.

٢- فتحت الدراسة أجزاءا من الماضي القريب للبلاد، و الذي ربما يكون مجهولا لكثير من شباب الجيل الحالي، كدستور طارق بن تيمور و موقفه من نظام أخيه السلطان سعيد بن تيمور و ابن أخيه السلطان قابوس، و أسباب سياسة التقشف التي اتبعها السلطان السابق سعيد بن تيمور، و كذلك سياسة السلطان قابوس وطريقة تعامله مع مؤسسات المجتمع العُماني المختلفة في بداية عهده.

٣- فتحت الدراسة آفاقا مستقبلية جادة لتفكير الشباب و جميع المواطنين في ما يخص مواضيع كأهمية وجود دستور مُقيّد للحكومة، و فصل السلطات، و استقلالية القضاء استقلالا حقيقيا. و النقطة الأهم التي نجحت في خلقها أو تصويرها الدراسة هي مسألة خلافة السلطان و الثغرات الموجودة في الطريقة الحالية لتنظيمها حتى بعد التعديلات الأخيرة في عام ٢٠١١، و ما يتبع ذلك من مخاوف جداً جادة.

٤- تعطي الدراسة توضيحا جيدا للسلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية و أدوارها و حدودها النظرية، و كذلك أدوار مختلف المحاكم كمحكمة القضاء الإداري و المحكمة الدستورية و المجلس الأعلى للقضاء.

٥- نجحت الدراسة في توضيح ثغرات الدستور العُماني، و التي يمكن تلخيصها في أنه - حتى بعد تعديلات عام ٢٠١١ - أقرب للدستور الشكلي الذي يصف بُنية النظام القائم بدل تقييده، و خاصة فيما يتعلق بفصل السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية، إذ تتركز السلطة الحقيقية في يد السلطة التنفيذية التي يرأسها السلطان قابوس.

٦- الدراسة جريئة في محتوياتها، ونوعا ما تكسر تابو السياسة العُمانية كنقد الصلاحيات المُطلقة للسلطان قابوس وذكر أنه في السبعينات من عُمره أي في نهايات عُمره.

ملاحظات على الدراسة

١- من الطبيعي جداً أن تؤيد أية دراسة جانبا دون آخر في الموضوع الذي تتناوله بالبحث و التحقيق، و لكن هذه الدراسة فيها نوع من الإنحياز غير المبرر بشكل كافٍ للجانب الآخر المُضاد لدعاوي الحكومة، فالدراسة مثلا و إن لم تُهمل أسباب الحكومة في عدم إصدار دستور للبلاد في بداية عصر النهضة، إلا أنها و كأنها لا تؤيد حسن نية الحكومة في ذلك، بل تنتقد أبسط و أوضح الأسباب التي قدمتها الحكومة و هو عدم جاهزية الشعب في بداية عصر النهضة لخطوة المشاركة في صياغة دستور للبلاد.

٢- الدراسة تؤيد فكرة المشاركة الشعبية العامة عبر مجالس تشريعية في رسم سياسة البلاد الداخلية والخارجية، إلا أنها لا تدعم هذه الفكرة بتجارب واقعية، فالشعب مثلا كانت لديه ولا تزال فرصة انتخاب ممثلين أكفاء في مجلس الشورى، فهل نجح الشعب في هذه المهمة؟ و هل يبدو أنه سينجح في انتخاب ممثلين أكفاء لإنجاح فكرة دستورٍ تعاقدي للبلاد؟! 

٣- تُلمّح الدراسة في بعض سطورها أن المشاكل الحقيقية للدستور العُماني قد تظهر بشكل كبير بعد السلطان قابوس، يعني تربط الثغرات الدستورية بالخلافة كثيرا وليس بأصل وجود الثغرات.


شكرا للقراءة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق